مرت على العالم العربي فترة طويلة سادت مجتمعه النزاعات السياسية والاضطرابات النفسية.. ولأول مرة نستقبل شهر رمضان المبارك في شبه صفاء يسود عالمنا العربي، فقد أجمع العرب على اعتبار دخول شهر الصيام في اليوم الذي اعتمدت رؤية الهلال في المملكة العربية السعودية، وتوحدت مشاعر الأمة المسلمة، ولم يشذ أحد هذا العام عن القاعدة التي نادى لها المسلمون منذ القديم.. وكانت الخلافات السياسية والمذهبية تعكس آثارها حتى على بعض المظاهر التعبدية.
ومع أن المملكة العربية السعودية بتوجيهات قائدها الفيصل المعظم كانت ولا تزال رائدة في العمل على خلق الصفاء واقتلاع أزمة الثقة التي غرست من خلال الخلافات الطويلة، فلم تكن تعمل ذلك من أجل اقتناص مكاسب مادية أو معنوية ذاتية، فمقدراتها تحقق لها أكبر المكاسب لو انعزلت عن غيرها بحكم ثروة البلاد وتصاعد منسوب الدخل المادي.. ولأن من مقوماتها المعنوية ما جعلها في مكان قبلة الملايين من البشر.. إلا أن الشعور بمسئولية الوجود المشترك الحتمي ضمن تجمع إقليمي سياسي وعقائدي يطوق هذه البلاد وقادتها بالتزامات لا عدول عن الاضطلاع بها رغم ما يقابل به بذلها - أحياناً - من جحود، لأن فئة منحرفة لا زالت تندس في صفوف أمة العرب، ولعل أقرب مثل لذلك الاعتداء الأخير على أنابيب البترول أمس في الأراضي الأردنية التابع لشركة التابلاين المصدرة من المملكة العربية السعودية بلا مبرر سوى النزعة الشريرة المتأصلة في نفوس القلة الشاذة.
فما تحمله أنابيب البترول ليس إلا طاقة نافعة للعرب، ولعل العمل الفدائي، أول من حظي بالدعم الجزيل من البلد التي تعرض بترولها للتجني والتعدي مرات متكررة.. فهل يجوز في شريعة الحياة قطع اليد التي تقدم الاحسان وتوفر العطاء، غير أن الأيدي الآثمة التي امتدت إلى الأنابيب ليست إلا تلك التي كانت ملطخة بدماء الأبرياء في عمان ولبنان، فقد تسلل أصحابها دائما - عن غفلة - إلى صفوف المحاربين لتشوه مفعولهم وهم أولئك الذين يعملون لصالح الأعداء من الصهاينة أو الملاحدة، وضد مصالح أمتهم كعملاء وجواسيس للأعداء ولن يفلتوا أبدا من عدالة القضاء!!
ورغم ذلك كله وخدمة للأمة العربية في مجموعها ومنسوبي العقيدة السماوية فقد جندت هذه البلاد طاقاتها البشرية والمادية - ولا تزال -للعطاء والسخاء الى ان فرضت محبتها على الجميع وانجذب لها الدعاة والقادة المصلحون قتبوأت المكانة التي فرضها عليها واجبها القومي في الصمود لمواجهة المعضلات التي تعترض حياة الاخوة في الدين والدم وتهدد مصائرهم وتقض طمأنينتهم.
ولقد ظهرت بوادر نمو الصفاء وحلوله مكان الجفاء حين بدأت المجتمعات تنقي صفوفها من الشذاذ وهي ولا شك بوادر تؤكد التصميم على تنسيق الجهود وتوحيد القلوب للحفاظ على التراث من الأرض والمعتقد.
فمرحباً بهذا الشهر الكريم ومزيداً من التقوى لتعمر القلوب وتنزع الشكوك.
|