أحلى أوقاته كما يراها.. هي التي يقضيها مع زوجته وهما لا يجدان ما يفعلانه.. وغالباً يكون هذا في فترة الظهيرة عندما يتأهب للنوم قبل صلاة العصر.. في هذه الفترة يستغني عن كل وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة أيضاً، ويكتفي بوسيلة الإعلام الأكثر تفصيلاً ودقة والتي لا تخضع لمقص الرقيب أو متابعة المسؤولين.. يكتفي بنشراتها هي.. الإخبارية والتحليلية والاجتماعية الشاملة.. فهي وهي تداعب ما تبقى من خصلات شعره الذي لم يسلم من عوامل التعرية.. تنقل له وبتفاصيل الحدث مع ما تضفيه من عناصر الإبهار والتشويق تشرح له أحوال المعارف والجيران والأقارب كلهم.. فلانة تخانقت مع زوجها.. وزوج علانة يقولون اللهم يا كافي مهوب صاحي.. خادمة الجيران انحاشت.. ناهيك عن تفاصيل وتحليل ما يتعلق بأمه وأخواته.. المهم كلام من هذا القبيل لا يقف عند حد ولا يستثني أحداً، ولكنه يشمل القريب والبعيد ممن عرف ومن لم يعرف.. هو يستمتع وبشدة ويتلذذ بسماعها، وهي تتحدث بحماس دون أن يشغل تفكيره فيتمادى في استرخائه واستجلاب النوم ويؤمن أنه لو لم يحصل من الدنيا إلا على هذه اللحظات لاكتفى بها ولأبقته سعيداً دائماً.. ما أبسط ما يتطلبه الرجل أحياناً.
المهم الأمور قد لا تجري دائماً على هذه النمطية، أو كما هو متوقع لها فلكل حال استثناء.. في إحدى المرات وهو في قمة استرخائه قالت ضمن ما قالت: رجال التعداد على وشك أنهم يقومون بزياراتهم للمنازل.. أومأ برأسه إشارة إلى أنه يعلم.. قالت إذا سألوك عن الراتب أو الأمور المادية لا تخبرهم كم راتبك ومصادر دخلك الأخرى.. عيون الناس ما فيها خير.. أحسَّ أن الموضوع يستحق المناقشة والاهتمام فقال إن الإحصاء بالتفاصيل المطلوبة ربما يساعد أصحاب القرار في اتخاذ القرارات المناسبة والتي تخدم المواطن والمصلحة العامة.. وتزويدهم ببيانات مغلوطة سينعكس سلباً على ما يُتخذ من قرارات وتدابير، وقد تضر بالصالح العام.. أخطأ عندما حاول المناقشة في هذه الفترة المخصصة فقط لسماعها.. قالت وبحدة.. المهم ألا تخبرهم عن كم راتبك على أساس أنها تخشى أن يحصل شيء لأصحاب الرواتب المتدنية فلا يشمل زوجها ثم سردت له نماذج من الجيران وكيف أنهم غالطوا رجال الإحصاء ببعض المعلومات.
استدرك أمره وقال.. المهم وش أخبار الجيران.. وأغمض عينيه عندما بدأت في سرد حكاياتها ونشراتها، ولم يستطع أن يخفي ابتسامة بانت، وهو يحمد الله في سره على هذه النعمة.
الكثير من الناس لا يزالون غير ملمين بأهدف التعداد وانعكاساته على مستقبلنا فالحملة التي سبقت التعداد تركزت على مواعيد البداية وتطرقت بعمومية إلى أهمية التعداد وأغفلت شرح الأهداف والتأثير المستقبلي على الكثير من القرارات الإستراتيجية والتنموية الهامة.. وكنت أتمنى لو أن أهداف التعداد وحجم التأثير سبقا في حملة توعوية واضحة ومحددة وناقشت تأثيرها المباشر على ما يهم المواطن بالدرجة الأولى مثل الصحة والتعليم والتوظيف والزواج حتى يتبين للجميع ما قد يتسبب فيه عدم حرصهم على المشاركة بفعالية ومصداقية مطلوبة.. لعلنا نتدارك ذلك في قادمات الأيام.
|