روح رمضان الكريم تظلُّ صافيةً متألِّقة، وإشراق وجهه الجميل يظل ناصعاً برغم كلِّ هذا الغبار الكثيف الذي تثيره أكثر وسائل الإعلام المرئية في العالم.
رمضان شهر طاعة وعبادة، شهر مواسم الخير التي يعيشها كل مسلم بعد انتظار وترقُّب، فيشعر بلذتها الكبرى، ومتعتها التي تتضاءل أمامها متع الحياة الأخرى.
أما الغبار والجراثيم والأبخرة السامَّة التي تنشرها بعض مصادر الترويح (غير البريء) فسوف تظلُّ عاجزة عن اختراق أسوار الحصانة الروحية عند المسلم الذي يعرف قيمة رمضان الكريم، ويدرك خطورة إضاعة فرصته العظيمة التي قد لا يتمكَّن من الوصول إليها مرّةً أخرى.
إنَّ المسلم الواعي هو الذي يبذل جهداً كبيراً في استثمار أوقات رمضان الغالية استثماراً صحيحاً، يبعده عن قراصنة الوسائل الإعلامية التي تفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني.
رمضان شهر عبادة وعمل واجتهاد، وليس شهر استرخاء بعد إفطارٍ دسم، أمام شاشة تلفازية غير منضبطة تهدف إلى تحطيم وقار رمضان بكل ما يُضحك ويُلهي، ويقضي على معنى روح العبادة ومتعتها ولذَّتها.
إنَّ شهر رمضان ميدان مضيء لكسر أصنام الباطل وأهل الباطل لأن ساحته النقيَّة لا تسمح لقدمٍ مدنَّسة أن تترك فيها أثراً، أما الذين يعيشون في رمضان مع كل برنامج ساقط، وتمثيلية هابطة، ومسابقات يختلط فيها الدَّقل بالحشف، والحصى بالأتربة، فهم يعيشون خارج رمضان روحاً، وإن عاشوا داخله زمناً.
إنَّ الأولى بالمسلم أن يفوِّت على (لصوص رمضان) فرصة سرقة وقته الثمين، مهما قدَّموا من إغراء.
كان خالد بن الوليد متجهاً إلى صنم (العُزَّى) لهدمه في الخامس والعشرين من رمضان سنة ثمانٍ للهجرة، حتى إذا وصل إليه هدمه، ثم رجع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأخبره، فسأله الرسول- صلى الله عليه وسلم- إنْ كان رأى شيئاً خرج منه فقال: لا، فقال ارجع إليها فاهدمها، فرجع خالد وهو متغيِّظ فجرَّد سيفه فخرجت إليه امرأة عريانة سوداء ناشرة الرأس، فجعل السادن يصيح بها، فضربها خالد فقطعها نصفين، ورجع إلى الرسول- صلى الله عليه وسلم- فأخبره فقال: نعم. تلك العُزَّى، وقد أيست أن تعبد ببلادكم.
وفي شهر رمضان لسنة ثمان للهجرة اتجه عمرو بن العاص إلى سُواع لهدمه، قال: فانتهيت إليه وعنده السادن، فقال: ما تريد، فقلت: أريد أن أهدمه، قال السادن - ساخراً - لا تقدر على ذلك فسوف تمنع منه، قال عمرو، قلت له: حتى الآن وأنت على الباطل ويحك، وهل يسمع أو يبصر، قال: فدنوت منه فكسرته، وأمرت أصحابي فهدموا بيت خزانته فلم نجد شيئاً ثم قلت للسادن: ماذا رأيت؟ قال: أسلمت لله.
وفي رمضان هدم سعد بن زيد صنم مناة، وحاول السادن تخويفه، ولكنه أقبل عليه فخرجت منه امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس كالتي خرجت من العزَّى، فقتلها سعد بن زيد، وهدم الصنم.
إنَّ المسلم والمسلمة يستطيعان هدم أصنام اللهو في رمضان بإهمالها والعزوف عنها.
إشارة:
عذراً أبا العشر الأواخر هكذا
وَحِل الطريق فغاصت الأقدام |
|