Monday 18th October,200411708العددالأثنين 4 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

من تاريخ التصهين البريطاني 3 من تاريخ التصهين البريطاني 3
عبدالله الصالح العثيمين

أشير في آخر الحلقة السابقة إلى وعد بلفور المتضمن العمل على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وبداية الخطوات البريطانية الجادة في هذا الصدد، وذلك بتعيين بريطانيا هربرت صموئيل وهو صهيوني أول مندوب سامٍ لها في القدس. وكان من جهوده أن بدأ بمصادرة الأراضي العربية وتوطين اليهود فيها بشكل منظم، وفي ظل الانتداب البريطاني على فلسطين تأسست المنظمات الصهيونية الإرهابية، مثل شتيرن والارجون، وهي المنظمات التي كوّنت فيما بعد عصب الجيش الصهيوني.
وكان من نتائج حيف الانتداب البريطاني وانحيازه للصهاينة انحيازاً لا يحتمل أن اندلعت ثورة الفلسطينيين عام 1936م، واضطرت الحكومة البريطانية المتقنة لأساليب الغدر والمكر أن أصدرت أمراً بحد الهجرة الجماعية اليهودية إلى فلسطين، لكنها وإن أصدرت ذلك الأمر لم تقم بأي إجراء لإيقاف الهجرة غير الجماعية التي كونت في نهاية المطاف أعداداً كبيرة جداً من المهاجرين الصهاينة، ومع ذلك فإن هؤلاء لم يرضوا بما أعلنته بريطانيا وإن كان في المحصلة النهائية حبراً على ورق، معتمدين على ما حققوه من مكاسب كبيرة في أمريكا، ذلك أنهم نجحوا في جهودهم هناك حتى تأسس (المجلس المسيحي لفلسطين) عام 1942م، الذي عقد مؤتمراً في نيويورك ذلك العام، واتخذ قرارات في طليعتها:
1 إنشاء كومنولث يهودي في فلسطين.
2 فتح الهجرة غير المحدودة أمام اليهود إلى فلسطين.
3 رقابة الوكالة اليهودية على شؤون الهجرة والاستيطان.
4 تأليف قوة يهودية لها علمها الخاص والاعتراف بها.
5 الإسراع في تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين.
وتوِّجت تلك الجهود الصهيونية بأن أصدرت الحكومة الأمريكية قراراً بأنها (تتعهد بموجبه بذل قصارى جهدها من أجل فتح أبواب فلسطين أمام اليهود للدخول إليها بحرية، ولإتاحة الفرصة أمامهم لاستعمارها حتى يتمكن الشعب اليهودي من إعادة تكوين فلسطين يهودية ديمقراطية حرَّة، وكان ذلك القرار عام 1944م، أي قبل ستين عاماً من موقفها الحالي الذي يشاهده العالم كله بما فيه العرب شبه الأموات إحساساً من تأييد لما يرتكبه الصهاينة من جرائم شنيعة بحق الفلسطينيين، إنساناً وأرضاً وتراثاً.
ولم يكن نجاح الصهاينة في تلك الفترة داخل بريطانيا بأقل كثيراً من نجاحهم في أمريكا، فقد أصدر حزب العمال، سنة 1943م، بياناً ورد فيه أنه يدعم النمو المطرد للوطن القومي اليهودي في فلسطين بالهجرة والاستيطان، واجتمعت المشاعر البريطانية المتستّرة المؤيدة للصهاينة مع حماسة الإدارة الأمريكية في عهد ترومان فشكلت لجنة بريطانية أمريكية للنظر في قضية فلسطين. وللمرء أن يتصور نزاهة تلك اللجنة المكونة من الطرفين المذكورين، وبخاصة انها ضمت عدداً من كبار الصهاينة، ولم يكن غريباً أن يكون من نتائج ذلك السماح لأعداد كبيرة من اليهود بالهجرة إلى فلسطين.
وعندما رأت بريطانيا أن الصهاينة في فلسطين قد أصبحوا في وضع يمكّنهم من الوقوف أمام أهلها من العرب، ومن قد يساعدونهم من إخوانهم خارجها طلبت من الأمم المتحدة، عام 1947م، أن تدرج القضية الفلسطينية في جدول أعمالها، ثم أرسلت إلى المنظمة الدولية مرة أخرى تبلغها بأنها سوف تنهي الانتداب على فلسطين من جانب واحد عند منتصف شهر مايو عام 1948م، وتطلب منها دورة استثنائية لمناقشة تلك القضية، وعقدت تلك الدورة، وأعقب انعقادها تكوين لجنة تضاربت آراء أعضائها حول تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، وتحديد أرض كل منهما، وقد حددت 56% من فلسطين لليهود، الذين كان عددهم لا يتجاوز 30% من سكان تلك البلاد حينذاك، وكان توجه أكثر الدول في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أن تقوم في فلسطين دولة فيدرالية تضم الطرفين العربي واليهودي، غير أن جهود الإدارة الأمريكية نجحت في تحقيق الكثير مما أراده الصهاينة، فلم يكتف بإقرار تقسيم فلسطين، بل إن تلك الإدارة أصرّت على أن تضم الدولة اليهودية منطقة على خليج العقبة، وما كان موقف بريطانيا إلا موقف المؤيِّد لموقف الإدارة الأمريكية، والمهيئ للمنظمات الصهيونية أن تنفذ ما أرادته من إجراءات، فقبل انسحاب قواتها من فلسطين قامت تلك المنظمات بارتكاب مختلف الجرائم لترويع السكان العرب، وتهجيرهم، تحت أعين المحتلين البريطانيين، بل والتواطؤ معهم، ومن تلك الجرائم مذبحة دير ياسين التي قتل فيها 250 من النساء والشيوخ والأطفال، وكان ما كان مما يعرفه الكثيرون من إعلان قيام الدولة الصهيونية في فلسطين، التي كانت وما زالت تجد الدعم والتأييد بصورة واضحة مكشوفة من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية، وبصورة ماكرة خادعة من قِبَل بريطانيا التي أتاحت لتلك الدولة الصهيونية أن تؤسس أركانها في فلسطين تحت ظل احتلالها، ولم تتوقف عن دعمها وتأييدها بصورة مختلفة. ولله الأمر أولاً وآخراً.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved