قرأت ما كتبه الأخ عمر الربيعان في العدد (11672) تحت عنوان (لماذا لا يكون هناك مساواة في القروض ؟!) ويقصد بذلك مساواة قروض صندوق التنمية العقارية للمدن والقرى، وضرب مثلاً بمحافظة البيكرية التي تداخلت حدودها مع حدود مركز الهلالية ولا يفصل بينهما سوى شارع والأراضي الواقعة جنوب الشارع قرضها ب (200 ألف) والواقعة شماله قرضها (300 ألف)! إنَّ قروض صندوق التنمية العقارية أصبحت أحد العوامل المشجعة على النمو العمراني في القرى والمدن.. وما نريده هو أن تكون هناك (تنمية عمرانية) منضبطة بضوابط فنية محدَّدة تحدَّد حتى ألوان المباني وارتفاعاتها. وأن يتم تعزيز دور صندوق التنمية العقارية. وأن يزداد رأس ماله أو أن تزداد قيمة القروض حيث أن قروض الصندوق في بداية الطفرة كانت كبيرة، ولنكن صرحاء مع أنفسنا ولنقول إن أغلب قروض صندوق التنمية العقارية في البدايات ذهبت إلى غير ما خطط له الصندوق فالكثيرون (أكلوها باردة) ووضعوا القروض في جيوبهم وربما استهلكوها في استثمارات غير ناجحة وغير مربحة لا لهم ولا لاقتصادنا الوطني.. ومن لم يسدد هذه القروض ترك دون إلزامه بالتسديد.. إن صندوق التنمية العقارية هو الأداة الوحيدة حالياً المشجِّعة على النمو العمراني حيث أن اي مدينة أو قرية لا تنمو نمواً حقيقاً إلا بالنمو العمراني بالبناء المسلحَّ المصمَّم تحت شروط فنية دقيقة بدلاً من الأحياء العشوائية التي تدل على تخلّف المدينة.. فالعمران وواجهات المباني وارتفاعاتها في أي مدينة هي الدليل على تطور المدينة وتطور الدولة بوجه عام ويجب إيلاء هذا الموضوع جليل الاهتمام. ومن هنا فإنني أرى ما يلي:
1) أن يتم زيادة رأس مال صندوق التنمية العقارية بما لا يقل عن 3 أضعاف رأس ماله عند البدايات، فالطلب عند بداية عمل الصندوق كان أقل من الحالي بكثير، فكلما زاد عدد السكان زادت الطلبات، فعدد السكان زاد بما لا يقل عن 200% عن سنوات تأسيس الصندوق.. إن هذه الزيادة في رأس مال الصندوق لن تذهب هباءً وإنما ستكون عاملاً محركاً للاقتصاد الوطني، فلا شك ستزداد الطلبات على مواد البناء كالأسمنت والحديد.. وهذه الزيادة في الطلبات ستزيد من فرص التوظيف في مصانع الاسمنت ومصانع الحديد ومصانع الرخام والحجر ومصانع الخرسانة المسلحة وبالتالي توظيف شباب سعوديين من فنيين وغيرهم في هذا المجال سواء في البيع أو النقل أو المصانع نفسها كفنيين، كما سيزداد عدد المكاتب الهندسية والمساحية وهذا سيزيد من فرص توظيف السعوديين في هذه المكاتب التي شهد سوقها ركوداً.
2) أن يتولى الصندوق الإشراف على هذه المباني وألوانها وأن يكون الصندوق مسؤولاً مسؤولية تامَّة عن تنفيذ البناء حسب تصميمات محدَّدة تكون متناسقة مع ما حول هذه المباني، وأن لا تكون البلدية هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن البناء، فالبلدية قد تشعبت مسؤولياتها مع قلة إمكاناتها وقلة عدد الفنيين والمراقبين فيها. فمهمة البلدية الأساسية هي السفلتة والتشجير والرصف والإنارة صرفت جل اهتمامها للشوارع وأغفلت تقريباً الاهتمام بالفلسفة المعمارية لمدننا، وإن وجود جهة فنية هندسية إضافة إلى الدور المالي الإقراضي لصندوق التنمية العقارية سوف يوجد لنا جهة تتولى الإشراف على الفلسفة المعمارية للمدينة من ألفها الى يائها وهذا يتطلب ايجاد إدارة فنية للصندوق على مستوى عالٍ من التجهيز والخبرة، وهذا لا شك سيوجد مجالاً لتوظيف السعوديين كفنيين في هذه الإدارة التي ستتولى ضبط التنمية العمرانية للمدينة والظهور بمظهر جذاب وحضاري لها.
3) من الملاحظ أن قروض صندوق التنمية العقارية قلَّت عن السابق بشكل كبير مع العلم أنها من المفروض أن تزداد، فما كان ثمنه 100 ريال سابقاً من المواد أو غيرها زادت قيمته إلى 200ريال، وهذه الزيادة في القرض لا تعني أنه سيزداد عن السابق بل الزيادة المقصودة هي في القيمة السوقية التي توازي القيمة السابقة، وهذا شيء طبيعي والكل متفق عليه.
4) إن هذا الصندوق يجب أن يكون له سياسات وخطط واضحة لتنمية الضواحي والمدن على حد سواء وتنمية الضواحي لا تأتي إلا بتقليل المدة التي يمنح فيها القرض في القرى وذلك بزيادة عدد القروض للقرى والهجر والضواحي لتشجيع الهجرة من المدينة إلى الضاحية فقد شهدت المدن زحاماً هائلاً واكتظاظا سكانياً غير متوقع كمدينة الرياض التي تغص طرقها بالسيارات في كل لحظة وكل دقيقة، ولا يمكن تشجيع الهجرة المعاكسة إلا بوضع حوافز تشجيعية كأن تكون المدة ما بين طلب القرض واستلامه سنة أو أقل للضواحي والهجر والقرى وأن تكون قيمة هذه القروض مشجعة على بناء مساكن جميلة وصحية وتعطي منظراً جذاباً وحضارياً للضواحي والهجر التي ستصلها المدن نوعاً ما أو يوماً ما.. وفي بعض المناطق نجد أن مدنها متقاربة مما يشجع على النمو المتقارب لهذه المدن وليكن القرض على أقل تقدير للضواحي بمبلغ (300.000ريال) على عكس ما يحدث حالياً حيث أن القروض للقرى والضواحي هو مبلغ (200.000ريال) وهذا لا شك تقليل من شأن القرى وتشجيع على النمو العمراني غير المنضبط بها، وتشجيع على عدم الهجرة إلى المدينة وزيادة الاكتظاظ بها وزيادة التلوث والضغط على الخدمات.
م. عبدالعزيز بن محمد السحيباني |