في هذا العام كلفت من قِبل كلية قسم الاجتماع بجامعة القصيم بالإشراف على بعض طلاب التدريب الميداني للتدرب على عمل الإرشاد الطلابي، ولا أخفيكم أنني في البداية كنت قلقاً من عملية سير التدريب بعد انقطاع لسنوات عديدة بسبب دراستي في الخارج، وكذلك لما سمعت من بعض الطلاب من قصور في تحقيق الهدف الرئيس من إدخال مقررات التدريب الميداني على خطط أقسام الاجتماع في الجامعات السعودية. واختار القسم الذي أعمل فيه أن أشرف على بعض المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية التابعة لتعليم عنيزة، وفعلت.
إن ما لفت انتباهي يا أحبة هي تلك المدرسة الجديدة على نظام التعليم السعودي ألا وهي المدرسة الرائدة. في محافظة عنيزة لا توجد سوى مدرستين رائدتين ابتدائية ومتوسطة، رأت إدارة التربية والتعليم أن يكون نصيب أحد طلابي التدريب في مدرسة سعد بن أبي وقاص الابتدائية.
كنت في البداية توقعت أن المدرسة الرائدة ربما تجمع الطلاب المتفوقين في المحافظة، أو أن مبناها رائد، أو قد تكون اسماً بلا مسمى. ومن أول أسبوع وقفت فيه على المدرسة الابتدائية الرائدة اذهلتني تلك الفكرة العظيمة، وبسرعة ربطت بينها وبين ما هو كائن في الدول المتقدمة. نعم وجدت كل شيء فيها ريادي، ان سألت عن الموقع والمبنى فهو متميز، وان سألت عن الطلاب فهم كخلية النحل المنتجة, والفراشات المحلقة، والطيور المغردة، من نشاطٍ إلى نشاط، عمل جماعي، ونشاط تعاوني، وريادة لا مثيل لها. الفصول الدراسية فيها ليست كفصول المدارس الأخرى، والتنظيم مختلف كلياً، الطالب فيها كأنه أستاذ، والأستاذ فيها كأنه أب، والمدير فيها يطلق عليه القائد التربوي، وهو كذلك. كنت محظوظاً جداً رغم أنني أدرب في ست مدارس كل يوم أحد عندما التقي بالمرشد الطلابي وبالزوار في تلك المدرسة الرائدة الرائعة. عندما دخلت على الطلاب أثناء الدرس وجدتهم قد سبقوا غيرهم في كل شيءٍ، فالأستاذ مقبول والدرس مهضوم والطلاب متوقدون، نشاط في نشاط، جميع ما يطرأ على مخيلتك من وسائل تكنولوجية عصرية تستخدم في العملية التعليمية، حتى موقعها على الشبكة العنكبوتية فيه ميزة الريادة. الطريقة القديمة في التدريس ألا وهي التلقين والتحفيظ ولت بلا رجعة، بدأ الطلاب يناقشون ويسألون ويفكرون، بل تعدى الأمر هذا إلى المشاركة في إعداد المادة العلمية. وافقت أثناء وجودي في المدرسة أكثر من وفدين زارا المدرسة أحدهما وفد من عاصمة وبوابة القصيم بريدة ذات الفكر المتقد والعمل الدؤوب، وأثنوا على تلك الأفكار والإسهامات المثمرة، ولم يمض يومان إلا وأقرأ في الجريدة تبرع رجال أعمال أوفياء من أسرة آل عثيم في بريدة بجميع مستلزمات المدارس الرائدة فيها، فهنيئاً لنا بالمدرسة الرائدة وهنيئاً لنا في القصيم بالصفاء والمودة والتلاقح ونقل وتبادل الأفكار. إنني من خلال هذه السطور القليلة أدعو إلى دعم هذه الفكرة وألا يكون حصرها على المدارس الابتدائية بل تتعداه إلى الجامعات، واختم مقالي بأني والله لو خيرت بين عملي في الجامعة وبين العمل في المدرسة الرائدة لاخترت الثانية. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأعاننا على القيام بمسؤولياتنا على خير قيام، وسدد الخطى وبارك في الأعمال وعوض الداعمين والمنفقين خيراً والدال على الخير كفاعله.
*قسم الاجتماع بجامعة القصيم |