جميل أن يتسابق أهل الخير في البذل والإحسان إلى مستحقيه، فكلما يكون أكثر نفعاً وأشمل عدداً يكون أجره مضاعفاً - بمشيئة الله - فأبناء هذه البلاد دائماً يتلمسون حوائج الضعفة والمساكين، والأيتام فيبذلون بيد سخية في هذا المجال وفي غيره من أوجه البر، والمصلحة العامة، والوفاء لهذا الوطن وأهله، طلباً للأجر والمثوبة من المولى، والذكر الحسن.
فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها
فالذكر للإنسان عمر ثاني |
فبدعوة كريمة من أبناء العم عبد الله بن إبراهيم الخريف - رحمه الله - لحضور افتتاح مركز الخريف الخيري لأمراض الكلى بمستشفى الأمير عبد الرحمن السديري بمنطقة الجوف - سكاكا يوم الإثنين الموافق 13-8-1425هـ، والذي تربو تكلفته على أكثر من خمسة ملايين ريال على شرف أمير المنطقة صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز آل سعود.. توجهنا من حريملاء في الصباح الباكر صوب منزل الأخ الفاضل عبد الرحمن بن عبد الله الخريف بالرياض تأهباً للسفر بصحبته إلى المطار، وقد اكتظت الصالة التنفيذية بالمطار، بعدد كبير من المدعوين، وبحضور كوكبة مختارة من رجال الأعمال البارزين والوجهاء ومن الأدباء والمثقفين الذين يربو عددهم على الستين للمشاركة في أفراح أبناء تلك المنطقة في افتتاح هذا المركز الهام.. وفي تمام الساعة الحادية عشرة صباحاً امتطينا الطائرة الخاصة التي هيأتها شركة أبناء العم ممثلة في الرئيس العام لها الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الله الخريف وإخوانه متجهين نحو منطقة الجوف حتى حطت بنا - ابنة الجو - بمطار سكاكا في تمام الساعة الواحدة إلا ربعاً ظهراً، وكان في استقبالنا عدد كبير من رؤساء الدوائر الحكومية ومن وجهاء المنطقة الذين استبشروا وسروا بهذه المناسبة السعيدة المباركة التي ستبقى آثارها في طوايا نفوسهم ملوّحة بمآثرهم، وذكراً خالداً على مرّ الدهور، ثم ركبنا إحدى الحافلات العملاقة وسرنا مع عدد من السيارات مرورا بدومة الجندل، وقد تجولنا في المتحف الوطني الذي يحتضن آثاراً قيمة معظمها موغل في القدم، ولحظنا مسجد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ومنارته العملاقة التي ما زالت باقية صامدة تقاوم عوامل التعرية وهبوب الأعاصير، وغير ذلك من المؤثرات الطبيعية، فهي شاهدة بمتانة المباني والعناية بالمساجد منذ فجر الإسلام، والحقيقة أن الناظر إلى تلك الآثار التي خلفها الأوائل ثم مضوا لسبيلهم تشدنا إلى الماضي البعيد وتجعلنا نحلِّق بأخيلتنا إلى تلك العصور التي سلفت وتقادم عهدها.
سل الأيام عن أُمم تقضت
ستخبرك المعالم والرسوم |
بعد ذلك طفنا بمركز الأطفال المعاقين فوجدنا العناية الفائقة بهؤلاء البراعم من حيث النظافة في الملبس، والجودة في المأكل والتمارين المستمرة - كان الله في عون أولئك -، وبعد ذلك اتجهنا إلى المركز الخيري.. مركز أمراض الكُلى الذي صُمم تصميماً حديثاً متكاملاً بمستشفى الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري الذي يضم ثلاثين جهازاً من وحدات الغسيل، فسررنا كثيراً بتحقيق هذا المشروع الحيوي على أيدي أبناء عبد الله بن إبراهيم الخريف، وهذا جزء من أفضالهم المتعددة في نواحي مملكتنا الحبيبة، ومهنئين لهم أن وفقهم الله في اختيار هذه المنطقة النائية كثيرة السكان، ومن ذوي الحاجات الملحة لمثل هذا العمل الإنساني الجبار الذي يوفر عليهم المال، والجهد في التنقل، وعدم الرحيل من أوطانهم لطلب الشفاء ومكابدة الغسيل المستمر معهم، فوجود مثل هذه الأجهزة، وأجهزة القلب والعناية المركزة أجرها عظيم بمشيئة الله - فالدولة من جانبها - أعزها الله - تولي الجانب الصحي عناية فائقة في جميع المصحات، ومساهمة الكثير من أصحاب المبادرات من أهل الخير ومن أمراء ورجال أعمال وغيرهم في تأمين الاجهزة باهظة الثمن التي تخفف من معاناة بعض المرضى وتقوي معنوياتهم، وفي تمام الساعة الثانية ظهرا توجهنا إلى تناول طعام الغداء في فندق النزل الذي اقامه الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الخريف، ثم تبع ذلك فترة راحة في نفس الفندق، وعند الساعة الخامسة عصرا بدأ حفل الافتتاح بآي من الذكر الحكيم بحضور سمو أمير المنطقة الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز آل سعود، ثم تلا ذلك كلمة وزير الصحة ألقاها نيابة عنه سعادة وكيل الوزارة للتخطيط والتطوير الدكتور خالد بن محمد العيبان، وكلمة أهالي منطقة الجوف ألقاها د. فارس بن عقلا الحمد، ثم شنف الأسماع الشاعر الدكتور أحمد بن عبد الله السالم بقصيدة جيدة نالت إعجاب الحضور، وأخيراً كلمة أبناء عبد الله بن إبراهيم الخريف ألقاها الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الخريف فحمد الله على إنعامه وفضله أن منَّ عليهم بذلك، ورجا أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وشكر سمو الأمير وجميع الحضور على تشريفهم هذا الحفل المبارك، وسُلمت الدروع التذكارية ثم قام صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن بدر بن عبد العزيز بإزاحة الستار عن اللوحة التذكارية وقص الشريط إيذاناً بافتتاح المركز رسمياً، جعله الله في موازين أعمالهم وأعمال والديهم إنه سميع مجيب.. بعد ذلك اتجه الحضور لأداء صلاة المغرب والعشاء معاً في المسجد الجامع الذي تفضَّل ببنائه الشيخ الفاضل محمد بن إبراهيم السبيعي الذي كان يتقدَّم الحضور، وقد أمَّ المصلين فضيلة الشيخ صالح بن غانم السدلان مع حضور كثير الإحسان الشيخ سليمان بن عبد العزيز الراجحي، وبعد أداء الصلاة اتجهنا إلى الاستراحة الرحبة لأبناء عبد الله الكايد أحد أعيان المنطقة لتناول طعام العشاء، وفي اثناء جلوسنا ارتجل الشاعر خلف الكريع قصيدة ترحيبية شكر فيها الحضور منوهاً بالأعمال الجليلة التي قام بها رئيس مجموعة الخريف وإخوانه، بل شكر جميع من ترك أثرا طيبا في تلك المدينة، راجيا أن تكون في موازين حسناتهم يوم الحساب، والشكر موصول لأبي هشام الأستاذ الفاضل عبد الرحمن بن صالح الشثري الذي وقف بقية حياته خدمة لأمراض الكُلى وهمزة وصل بينهم وبين المحسنين ملتمسي الأجر من رب العباد، ونرجو للجميع أن يكونوا من الذين يؤتون أجرهم مرتين، ومن الآمنين يوم النشور، ولطلب المزيد من عمل الخير يقول الشاعر ابن دُريد:
لا تلحقنَّك ضجرةٌ من سائل
فدوام حظك أن ترى مسؤولا |
|