تلقت إسرائيل عبارات الثناء من حليفتها الكبرى الولايات المتحدة على انسحابها من مواقع في شمال قطاع غزة بعد هجمة شرسة للاحتلال استمرت أكثر من أسبوعين، غير أن الولايات المتحدة حرصت وهي تُسْمع إسرائيل تلك الكلمات الطيبة ألا تبخل على ضحية العدوان، وهم الفلسطينيون، بعبارات التهديد والوعيد مع تذكيرهم بضرورة كف أيدي الناشطين عن مهاجمة إسرائيل.
وفي الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يقفون على الحجم الهائل للدمار الذي حلّ بمنازلهم، إذ سوّى الاحتلال أكثر من 150 منزلاً بالأرض، علاوة على تجريف المزارع وتدمير مرافق البنية الأساسية من مياه وكهرباء وهاتف، في هذا الوقت يستمعون إلى إشادة أمريكية بإسرائيل، لأنها انسحبت بينما يتلقون التهديدات من قبل ذات الدولة..
غير أن كل ذلك، وسقوط أكثر من مائتي شهيد لم يحمل الولايات المتحدة على تأنيب حليفتها المدللة ولو من باب التذكير بأن واشنطن ما زالت هي الدولة الكبرى في العالم والوسيط في هذا الصراع، وكلّها أمور تفرض عليها أن تظهر قدراً من الكياسة وهي تخاطب أي من الطرفين..
ونحن لا نتحدث هنا عن العدل وموجباته المتمثلة في ضرورة إنصاف المظلوم، للقناعة بأن هذه اللغة لا تجدي في ظل ذلك الانحياز الأعمى للظلم والعدوان، غير أننا نشير فقط إلى أن إظهار الانحياز بهذا الشكل الأعمى لدولة معتدية لا تكف عن ارتكاب المذابح اليومية والاطناب عليها كل حين وآخر، هو أمر يهدد بطريقة مباشرة الأمن الدولي من خلال الإقرار بتأييد إرهاب الدولة الذي تقوده إسرائيل ومن ثم انهيار المعايير الدولية حول السلوك السليم لمختلف الأنظمة، وكلّها أمور يمكن أن تغذي حالة الفوضى في العالم..
لقد نجت إسرائيل بفعلتها الآثمة من أي عقاب، وعملت الولايات المتحدة من خلال حق الفيتو في حمايتها من الإدانة الدولية وحتى من مجرد مشروع قرار يطالبها بسحب قواتها، وستجد إسرائيل أنها مطلقة الأيدي لتفعل ما تشاء وقت تشاء، وهي بذلك، لن تفوت هذه الفرص أمامها لتكريس سطوتها وهيمنتها معززة بإرادة أمريكية قوية على التعاون معها لتتجاوز هذه الهيمنة حدود فلسطين إلى كامل المنطقة، وهذا هو في النهاية الهدف لهذا التنسيق المستمر بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
|