من منا لم يبتهج بالمساحة التي باتت الأقلام الصحفية تتحرك وتصهل فيها؟ من منا من لم يشرق الفرح في ثنايا روحه وهو يرى مواضيع محلية حساسة ولها علاقة بأماكن كانت محاطة في السابق بسياج مكهرب.. تطرح وتناقش، وينمو حولها شجر الحوار، بينما كانت قبل فترة وجيزة في مقام المحظور ولم يكن يرد ذكرها في الصحف على مستوى المفردات.. حتى؟
على كل حال لا نستطيع أن نقول إن هذا كل شيء، وإنه أقصى الطموح، ولكن الجميع يعلم بأن المسيرة الإنسانية باتجاه الأفضل والأسمى هي مسيرة لا تنقطع.
ولكن على الجانب الآخر يجب أن يتوازى مع هذا الطرح الإعلامي الحر والجميل، حس واسع وكبير بالمسؤولية. وبما أن هذا الأمر مغرق في مثاليته ولا نستطيع أن نفرضه على جميع العاملين في هذا المجال؛ فلا بد من وضع ضوابط وآليات صارمة، نتأكد من خلالها أن الطرح الإعلامي الجديد يتم في إطار من المسؤولية والوعي بأهمية الكلمة ومواضعها الملائمة.
قد يبدو من المضحك أن أتحدث الآن عن وضع الكوابح في حين أن التجربة بحد ذاتها جديدة ولم تتضح معالمها، وهذا بالتحديد ما يجعلني أصر على أهمية وضع آلية قانونية تستطيع أن تمنع التجاوزات، والتعديات التي قد تكون لها أحياناً مآرب وأبعاد شخصية تبتعد عن الموضوعية تماماً، بحيث قد تعمل هذه التجاوزات ضد المناخ الصحي والحر الذي يطمح فيه الجميع لوسائل الإعلام فتصبغه بصبغتها الفاسدة.
فحينما يعلم كل صاحب قلم بأنه سيسأل عن كل كلمة قالها، وعن كل كلمة أوردها، وعن كل رقم وضعه، أو مصدر استقى منه المعلومة، سننشئ علاقة متينة وقوية ومبنية على الثقة والمسؤولية والشفافية بين القراء ووسائل الإعلام، بالطبع هذه المسألة لا تعني تكميم الأفواه، ولا تضييق المساحة التي بتنا نتحرك فيها، ولكنها تشير إلى أهمية وضع آلية حماية تمنع استغلال هذه المساحة من قبل ذوي النفوس الضعيفة والمآرب الشخصية.
ليفسدوا تجربة وليدة ما برحت تكابد خطواتها الأولى.
|