يتألم الإنسان لما يصيبه، ويحزن، ويبكي، وكل ذلك متاحٌ له مباح له، ما دام منضبطاً فيه بضوابط الشرع، وما دام محققا فيه معنى قول الرسول- صلى الله عليه وسلم- حينما سئل عن بكائه على وفاة ابنه إبراهيم: (إن العين لتدمع وإنَّ القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا عز وجل).
هنالك أساس متين يمكن أن يقوم عليه بناء الصبر والسلوان ألا وهو (الإيمان بالقدر خيره وشره)، ركن من أركان الإيمان يجب أن نعمل على (تفعيله) في واقع الحياة، فإذا فرحنا بما أوتينا، وما يتيسر لنا من أمور الحياة، فإنَّ علينا أن نرضى - رضا التسليم لله عز وجل - إذا سُلبنا من أمور الحياة شيئاً، وهذا الرضا هو الذي يحقِّق لنا الصَّبر والسلوان والاحتساب، ويمنحنا الاطمئنان، ويذيقنا لذة اليقين والإيمان.
إذا رأيت مريضاً عزيزاً عليك يتأوَّه أمام عينيك، فابذل ما لديك من الأسباب، وانشر عليه ظلال عنايتك ودعائك الذي لا ينقطع له بالشفاء والعافية، وتذكَّر - في اللحظة نفسها - أنك لست أرحم به من الله الذي خلقه ورزقه ونفخ فيه الروح، تذكَّرْ أن الرحمة التي تتراحم بها المخلوقات جميعاً، إنما هي جزء من تسعة وتسعين جزءاً احتفظ الله سبحانه وتعالى به لنفسه يرحم بها عباده.
إذا شعرت أن الأسى بدأ يتجاوز حدَّه في قلبك، والقنوط بدأ يثير دخانه الخانق في حنايا نفسك، فتذكَّر تذكُّر المؤمنين الصابرين أن رحمة الله أوسع، وأنه لا يظلم أحداً من خلقه أبداً.
المرض يؤلمنا سواءٌ أكان في أجسادنا أم في أجساد من نحب، ولكنَّه رحمة من الله عز وجل للمريض المحتسب، لأنه - كما ورد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم - لا يترك صاحبه حتى تَتَحاتَّ عنه خطاياه كما يتحاتَُّ الورق عن غصون الشجر في الخريف.
(رحمة الله أوسع) من رحمتك أنت بنفسك وبوالديك وأبنائك، إذا تذكرْتَ هذا، انشرح صدرك، وهدأت نفسك، وزال يأسك، فلا تنسَ رحمة الله الواسعة وأنت تتألم لما تراه من معاناة حبيب، أو ألم صديق.
حينما حضرت الوفاة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - قال له مسلمة بن عبدالملك أوص بأهلك وأبنائك إليَّ، فقال في ثبات الموقنين: لقد وكلتهم إلى الذي لا تخفى عليه خافية فهو أرحم بهم، ولما كانت محنة من بقي من الأمويين على أيدي العباسيين، لم ينج من تلك المحنة إلا أولاد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله.
(رحمة الله أوسع) لافتة مضيئة يجب أن نعلِّقها في كل مكان.
إشارة
أماه عند الله من رحماته
فيض وأنهار جرتْ وسواقي |
|