Sunday 17th October,200411707العددالأحد 3 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "لقاءات"

« الجزيرة » في حوار مع بوصلة تركيا إلى أوربا.. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان: « الجزيرة » في حوار مع بوصلة تركيا إلى أوربا.. رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان:
علاقتنا بالعالم العربي تاريخية واجتماعية وثقافية
نقدر مبادرة المملكة استضافتها مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب ومستعدون للإسهام إيجابياً في هذا المؤتمر

  * أنقرة - عبد الكريم العفنان:
ولد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي (49) سنة في قرية زيرا على شاطئ البحر الأسود، وأول أعماله التي مارسها في شبابه هي بيع الليمون في حواري استنبول الفقيرة، وهو لاعب كرة قدم سابق ، تولى رئاسة بلدية استنبول بعد فوزه بالانتخابات باكتساح عام 1994 .
يتمتع بشخصية كارزمية متواضعة لم تتلطخ سمعته بعمليات الفساد. قضى في السجن أربعة أشهر حرمته من ممارسة حياته السياسية ولم يتمكن أردوغان من الترشيح لعضوية البرلمان لأن المحاكم التركية اعتبرت ما قاله تحريضاً على الحقد والكراهية، إلى أن جاءت انتخابات الثالث من نوفمبر 2002م لتحمل معها مفاجأة كبرى في الحياة السياسية التركية ليؤكد الشعب التركي وقوفه إلى جانب أردوغان الذي لم يكتف بتخطئة محاكمته وإعلان براءته بل بتسليمه مقاليد السلطة بنسبة 34% من الأصوات وهي نسبة مكنته من إحراز 363 مقعداً في البرلمان وهو العدد الذي فتح له المجال لتشكيل حكومة قوية بمفرده.
وحتى يطمئّن الجيش والتيارات السياسية العلمانية فقد حرص في أول مؤتمر صحفي عقده بعد فوزه بالانتخابات على قول أتاتورك (الحكم للشعب دون قيد أو شرط) لأن هناك اعتقاداً يسود الأوساط العلمانية بأن الحزب سيقوم بسياسات راديكالية لتغيير نمط الحياة وإقامة نمط إسلامي مكانه، لكن أردوغان أكد. (وهو قادر)على أنه لن يلجأ إلى مثل هذه التصرفات وأن الشعب التركي عهد إليه بالسلطة ليصلح الاقتصاد ويقضي على التضخم وينقل البلاد إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، وعندما يُسأل عن هوية حزبه فإنه يصفه ب(الديمقراطي المحافظ).
أردوغان الإسلامي منفتح على التيارات العلمانية أكثر من انفتاح العلمانيين على التيارات الإسلامية ، وهذا مدعاة فخر بالنسبة له.
لكن اللافت أن البيت الأبيض فتح أبوابه أمام زوجة أردوغان (أمينة) بينما لم تستقبل في القصر الجمهوري التركي لأن مراسم القصر (العلماني) تتطلب رفع الحجاب أولاً علماً بأن أردوغان لم يقدم النموذج الإسلامي كخطر على العلمانية، بل قدم الإسلام كقوة ليبرالية سياسية جديدة في المنطقة بعيداً عن براغماتية الأحزاب العلمانية والإسلامية في تركيا.
رئيس الوزراء التركي في حديث سياسي شامل ل (الجزيرة):
* كيف ترى، واقع العلاقات الثنائية العربية التركية بصورة عامة والعلاقات السعودية-التركية بوجهٍ خاص. هل هناك نوع من التنسيق التركي مع تلك البلدان بشأن التطورات التي يشهدها الشرق الأوسط في فلسطين والعراق. وهل هناك أي تعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية في مكافحة الإرهاب؟
- تربط تركيا بالعالم العربي علاقات تاريخية، وثقافية، واجتماعية عميقة الجذور كما تتقاسم شعوبنا قيماً دينية مشتركة. وتعطي تركيا أولوية فائقة لتعزيز الاستقرار والسلم في المنطقة. ويمرّ الشرق الأوسط الآن في مرحلة حرجة وحاسمة تنطوي على كثير من الاحتمالات وحالات انعدام اليقين. ولا يمكن للشرق الأوسط والعالم العربي أن يبقيا خارج التغيرات الدراماتيكية الجارية في المحيطين العالمي والإقليمي.
وفي ظل الظروف الحالية، فإننا نحتاج إلى تعزيز الحوار والتعاون أكثر بكثير من ذي قبل. ونحن نجري مشاورات سياسية مع بلدان عربية عديدة كما نتبادل زيارات منتظمة رفيعة المستوى مع بلدان الخليج والمغرب العربي، بما في ذلك المملكة العربية السعودية. ومثل بقية البلدان الأخرى، فإنَّ تركيا معنية أيضاً بالوضع الحالي في العراق. ونحن ملتزمون بالتوصل إلى استقرار سريع للوضع في العراق، كما بالحفاظ على وحدة العراق وسلامة أراضيه. وسياساتنا بهذا الصدد متقاربة عموماً مع سياسات دول المنطقة. وكنا قد أطلقنا فكرة عقد مؤتمر يضمّ جيران العراق. وعقدنا سبعة لقاءات تشاورية. وعلاوة على هذه العملية المتواصلة، فقد اقترحنا مؤخراً عقد مؤتمر آخر يكون أوسع مشاركةً. ونحن نعتقد أنّ ذلك سيكون مفيداً أيضاً. ونحن نرحب بكل مبادرة من هذا النوع وندعمها إذا ما كانت ستفضي إلى نتائج ملموسة وتساعد على تحسين الوضع الراهن.
أمّا الإرهاب فهو خطر عالمي يهدّد السلم والنظام الدوليين. إنّه شرّ لا يعرف حدوداً جغرافية، أو ثقافية، وهو يقتضي التضامن والفعل الجماعي بأوسع المعاني التي يمكن أن تبلغها هذه الكلمات كبلد عانى من الإرهاب على نحوٍ خطير، فإنّ تركيا كانت من بين أول البلدان التي انضمت إلى التحالف الدولي الذي احتشد لهزيمة الإرهاب. ولقد علمنا مؤخراً أن المملكة العربية السعودية سوف تستضيف (مؤتمراً دولياً لمكافحة الإرهاب) في شهر شباط من العام 2005م. ولا شك أنَّ تركيا ترّحب بمثل هذه المبادرة وتقف جاهزة لأن تقدّم مساهمتها الإيجابية لجهة نجاح هذه المبادرة المهمة.
* إنَّ السيد كمال الدين إحسان أوغلو هو الآن الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي. برأيكم هل سيقود ذلك إلى تحسين العلاقات التركية الإسلامية؟ وهل تتوقعون له النجاح في مهمته؟
- لقد أيدت تركيا فكرة القيام بإصلاحات ضمن منظمة المؤتمر الإسلامي. وكما تعلمون، فقد تبّنت الدول الأعضاء، سواء في مؤتمر وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي أم في القمة، عدداً من القرارات الرامية إلى تحسين مدى وفعالية المنظمة استجابة للتغيرات العالمية والديناميات الدولية الراهنة. ولقد عهدنا تقليدياً أن يكون الأمناء العامون لمنظمة المؤتمر الإسلامي شخصيات بارزة رفيعة الاعتبار وذات سمعة دولية عطرة. ومثل سلفه السيد بلقزيز، فإنَّ البروفسور إحسان أوغلو شخصية معروفة ومحنّكة وذات سجل أكاديمي ممتاز فضلاً عن سمعة طيبة جداً في الشؤون الدولية التي تخصّ العالم الإسلامي. ويعكس انتخاب البروفسور إحسان أوغلو إلى منصب الأمين العام تلك الثقة ضمن المنظمة بخبرته الطويلة ومهاراته الإدارية. ونحن نعتقد ونأمل أن أمانة منظمة المؤتمر الإسلامي سوف تحافظ، تحت قيادته، على سمعتها وتواصل بفعالية خدمة المصالح المشتركة لجميع الدول الأعضاء. أمّا تركيا، من جهتها، فسوف تواصل دعم الأمين العام والأمانة في خطواتهم البنّاءة.
*لقد أمكن لحزب العدالة والتنمية التركي أن يقدّم الإسلام على أنّه قوة إسلامية ليبرالية جديدة في تركيا والمنطقة بأكملها. ما هي، برأيكم، العوامل التي جعلت الإسلام ينجح في تركيا؟
- إن إحدى السمات التي تمّيز حزبي، حزب العدالة والتنمية، هي التأكيد على الديمقراطية وعلى الحكم الذي يتّسق مع المعايير العالمية العليا الممكنة من جهة ومع قيمنا الخاصة من جهة أخرى. وهذا أمر لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال إصلاحات داخلية طموحة وحاسمة. والدولة الديمقراطية، العلمانية، الاجتماعية، القائمة على حكم القانون هي التي مكّنت الإسلام من الاستمرار في لعب دور مهم في حياة الشعب، في الوقت الذي تفسح فيه المجال للتعددية والتقّدم في المجالات الاجتماعية والسياسية. ومن ينتفع بالديمقراطية في تركيا اليوم هو الشعب التركي نفسه، الذي يشكّل المسلمون 99% من تعداده. ومع أنّ فلسفتنا هي هذه، إلاّ أنه ليس في نيّتنا أن ننصح أيّ أحد آخر بأن يسير على مثالنا. والأمر الأساسي هو أن المسلمين بحاجة لأن ينتفعوا بما لديهم من ثروة فكرية. ومثل هذه الطاقة أو الإمكانية الإنسانية تتفتح وتزدهر عندما يجتمع معاً كلٌّ من الحرية، والتسامح، والاحترام المتبادل لكي تتشكّل الديمقراطية، حيث تُحترَم الحقوق الأساسية ويسود حكم القانون والحكومة الصالحة. وبهذا المنطق ذاته، فإنَّ كلاًّ من الشفافية، ومحاسبة الدولة، وتشجيع المشاركة السياسية والاقتصادية، والمساواة بين الجنسين تجعل المجتمعات والأنظمة أقوى وأمتن على المدى البعيد.
والنقطة الأخيرة التي أودّ التطرق إليها هي التأكيد على أنه من الخطأ الكلام على إخفاق الإسلام. فإذا ما كان هنالك إخفاق، فإنَّ علينا أن نفتش عن أسبابه لا في الإسلام ذاته، وإنما في مصادر أخرى.
* كيف تقرؤون في تركيا مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي اقترحته الولايات المتحدة الأميركية؟ ما هو موقفكم من هذا المشروع؟ وهل يؤثّر ذلك بأي حال من الأحوال على انضمامكم إلى الاتحاد الأوروبي؟
- قبل كل شيء، أودّ أن أؤكد على أنّه بصرف النظر عن أي مشروع تتم مناقشته، فإنَّ الحاجة إلى التغيير الإيجابي والإصلاح في الشرق الأوسط هي حاجة مقبولة ومُقرّ بها على نطاق واسع في المنطقة وخارجها. وقد سبق لتركيا أن أشارت إلى هذه الحاجة في مناسبات عديدة بما في ذلك اجتماعات منظمة المؤتمر الإسلامي.
ومؤخراً، اشتملت الأجندة الدولية على مبادرات دولية متعددة ترمي إلى تعزيز الإصلاح الاقتصادي، والاجتماعي، والسياسي في منطقة الشرق الأوسط على اتساعها، بما في ذلك حضور هذه المبادرات لدى الثمانية الكبار والاتحاد الأوروبي. ولقد قاربنا هذه المبادرات مقاربة إيجابية بنّاءة، إنما بطريقة واقعية أيضاً.
ولقد أشرنا منذ البداية إلى أنَّ نجاح مثل هذه المبادرات يقتضي أن تكون نقطة الانطلاق محلية وإرادية، وليست مفروضة فرضاً من الخارج. فالمشاركة هي ما يمكن له أن يساعد على تغيّر تلك المجتمعات التي تريد أن تلعب دوراً ويكون لها نصيبها في مثل هذا التقدم. كما لفتنا الانتباه إلى ما تنطوي عليه المنطقة من حساسيات وأكدنا على ضرورة أن يكون التغيّر عملية تدريجية. وإلى هذا، فقد شدّدنا على أن الجهود المبذولة لحل المشكلةالفلسطينية- الإسرائيلية ينبغي أن تسير يداً بيد مع الجهود الإصلاحية في المنطقة.
يشاركنا في مثل هذه الآراء عدد من البلدان الأخرى التي تؤيّد نظرتنا. وفي النهاية، فإن هذه الآراء قد أُخذت في الحسبان في تلك العملية التي أفضت إلى (خطة دعم الإصلاح)، التي أعلنها الثمانية الكبار في حزيران من هذا العام.
وأودّ أن أضيف أيضاً أنَّ تركيا قد احتلت منصب نائب الرئيس في (الحوار لمساندة الديمقراطية) في إطار مبادرة الشرق الأوسط الكبير التي قدّمها الثمانية الكبار.
وبخصوص سؤالك الآخر، فإن تركيا عازمة على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولدينا توقّعات واقعية جداً ومشروعة لأن نبدأ مباحثات الانضمام مع الاتحاد الأوروبي في العام القادم. وموقفنا من مبادرة الشرق الأوسط الكبير ينسجم مع سياسات الاتحاد الأوروبي حول هذه القضية.
* ما الذي يعّيق فعلاً ما تبذله تركيا من جهود للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ هل هنالك دول أوروبية تمانع انضمام تركيا إلى عضوية هذا الاتحاد وتمارس (حقّ الفيتو) بهذا الصدد؟
- بعد أكثر من أربعة عقود من العلاقة مع الاتحاد الأوروبي، لقد وصلنا إلى سنة الحسم والقرار. إننا ننتظر من قرار المجلس الأوروبي أن يُطلق مفاوضات الانضمام دون تأخير. لقد أدخلنا سلسلةً من الإصلاحات التشريعية العميقة وبدأنا بتطبيقها بحسب معايير كوبنهاغن السياسية التي هي شرط مسبق لانطلاق مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ولقد بلغنا الحدّ الحاسم في الاستجابة لهذه المعايير السياسية.
ويدرك الاتحاد الأوروبي كهيئة، كما تدرك حكومات الدول الأعضاء فيه والرأي العام الأوروبي ما يجري في تركيا من تغيّرات حاسمة في السنوات القليلة الأخيرة. وهم، في حقيقة الأمر، يدعمون ما نبذله من جهود ويقدّرون حقّ قدره ما حققناه إلى الآن.
وفي ضوء هذه الوقائع، فإننا لا نعتقد أن أية دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي سوف تعترض على القرار الإيجابي في الاجتماع القادم والمتعلق بانضمامنا أخيراً إلى الاتحاد.
* بدأ التلفزيون التابع للدولة التركية بعرض بعض النشاطات الثقافية الكردية، وتزامن ذلك مع إطلاق سراح بعض السجناء السياسيين الأكراد. ما هي العوامل الجديدة التي دفعت تركيا إلى الاعتراف بالثقافة الكردية وما هي الحدود المستقبلية لمثل هذا الاعتراف؟
- ج: تركيا ماضية في سيرورة إصلاح جوهرية في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وغاية الإصلاحات هي رفع الديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان إلى أرفع مستوى يمكن التوصل إليه عن طريق خلق نوع من الاتساق التام بين التشريع التركي والممارسة التركية من جهة والمعايير الدولية من جهة أخرى.
وسيرورة الإصلاح الطموحة هذه هي التي ضمنت حصول تقدم جوهري، كان من بينها تلك التي مسّت المجالات التالية: إلغاء عقوبة الإعدام، مناهضة التعذيب، إصلاح نظام السجون، حرية التعبير، حرية الاجتماع وإقامة الروابط، الحرية الدينية، تفعيل القضاء، العلاقة المدنية- العسكرية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإجراءات مكافحة الفساد.
وفي سياق الإصلاحات، فقد تحسنت أيضاً حقوق الأفراد الذين ينتمون إلى خلفيات إثنية مختلفة، بما في ذلك المواطنون الأتراك من أصل كردي وليس بثّ وتعليم لغات ولهجات مختلفة من تلك اللغات واللهجات التي يستخدمها مواطنون أتراك في حياتهم اليومية سوى مثالين ينبغي النظر إليهما في إطار عملية الإصلاح الشاملة. وينبغي، من جهة أخرى، أن يُلاحظ أن جميع المواطنين في تركيا متساوون بغض النظر عن أصلهم الإثني. والتأكيدات على أن هنالك سجناء سياسيين في تركيا ليست صحيحة. إنَّ حكم القانون هو السائد في تركيا وأولئك الذين يثبت خرقهم للقوانين يمكن أن يُدانوا من قبل القضاء المستقل. وفي ظلّ مبدأ حكم القانون، فإنِّ المحاكم العليا مخوّلة بمراجعة الأحكام التي تصدر عن المحاكم الأدنى.
لقد حققت تركيا تقدماً عظيماً في عملية الإصلاح. ولدى الحكومة عزم راسخ ومطلق أن تواصل هذا الزخم وتكون متيقنة من أنَّ كل هذه القرارات والقوانين والنصوص سوف تأخذ طريقها إلى حيّز التطبيق والممارسة.
* يدعو بعض المثقفين الأكراد إلى إقامة دولة كردية في شمال العراق، مع ضمان هذه الدولة حصة تركيا من الإيرادات النفطية الكردية؟ هل تريدون التعليق على مثل هذه الدعوة؟
- لقد قلنا على الدوام إنَّ مستقبل العراق ينبغي أن يقرره الشعب العراقي بأجمعه عبر الطرائق الديمقراطية. ومن المؤكّد أنه ليس تركيا ولا أي طرف آخر، بل العراقيون أنفسهم هم الذين لهم حق تقرير البنية المؤسساتية والإدارية العراقية المقبلة. أمّا تقسيم البلاد على أسس إثنية وطائفية فسوف يقوّض ما يحتاجه العراق اليوم أشدّ الاحتياج، ألا وهو الاستقرار والأمن. إننا نشجّع كل الجماعات العراقية على أن تتصرف بمسؤولية وتتمسك بالمبادئ الرئيسية الداعية إلى سلامة أراضي العراق، ووحدته السياسية، وسيادته، وازدهاره، وسلامه مع ذاته ومع جيرانه.
وهذا هو الأساس الذي لطالما بنت تركيا عليه نظرتها التي مفادها أنَّ مدن العراق وموارده الطبيعية هي للعراقيين ككل.
غير أننا نشهد تطورات خطيرة في كركوك وحولها. فهذه المدينة ومنطقتها غدت نطاقاً تتجلّى فيه بعض الأجندات الذاتية وتعبر عن نفسها. وعملية الانتقال السياسي في العراق يمكن أن تكون طويلة وصعبة. والوضع في كركوك قد ينطوي على احتمال تفجير عملية الانتقال برّمتها وحرفها عن سكّتها. ولقد شهد وفدنا الذي زار كركوك في تموز أن بعض الجماعات السكانية لا تزال تواصل جهودها المنظّمة لتغيير البنية الديمغرافية (السكانية) للمدينة. وتركيا لا تستطيع أن تقف لا مبالية إزاء فرض أمر واقع يدّعي أحقية بالمدينة ويجبر التركمان والعرب على الخروج منها ومن منطقتها.
* كيف تصف علاقات تركيا مع الحكومة الانتقالية في العراق؟ كيف تنظر إلى مستقبل المنطقة ككل في ضوء التطورات الأخيرة في العراق؟
- هناك هدفان كبيران يقفان وراء رؤية السياسة الخارجية التركية المستقبلية. الهدف الأول هو جعل تركيا جزءاً لا يتجزأ من عملية توحيد أوروبا. وتعمل تركيا والاتحاد الأوروبي باتجاه إطلاق محادثات انضمام تركيا إلى الاتحاد في نهاية هذا العام. والهدف الثاني هو ما ترمي إليه تركيا من السعي وراء المساعدة وتقديم العون لخلق بيئة من الأمن، والاستقرار، والازدهار، والصداقة، والتعاون حول تركيا من جميع الجهات، ذلك أنَّ تركيا هي نقطة تلاقٍ لأوروبا، والقوقاز، والبحر الأسود، والشرق الأوسط، وآسيا المتوسطية والوسطى.
وما تراه تركيا وتهّتم به هو أن تفكّك العراق سوف ينزع استقرار المنطقة بأسرها.
وبعد إقامة الحكومة الانتقالية في العراق في حزيران 2004، بلغت عملية الانتقال السياسي في العراق طوراً جديداً مع تسليم السيادة للشعب العراقي في 28 حزيران 2004. وما نأمله هو أن تنجح هذه الحكومة الانتقالية في القيام بما يقع على عاتقها من مهام جسام. ما نتمناه هو أن تستطيع الحكومة الانتقالية القيام بهذه المهام بتلبيتها توقّعات وآمال كل من الشعب العراقي والمجتمع الدولي.
وشعورنا القوي أنَّ غاية هذه العملية ينبغي أن تكون الحفاظ على سيادة العراق، وسلامة أراضيه، ووحدته الوطنية، وضمان شرعية الحكومة المستقبلية المنتخبة في أعين الشعب العراقي والمجتمع الدولي.
وفي زيارته الرسمية لتركيا، ناقشنا مع الرئيس العراقي الانتقالي غازي الياور إمكانيات تعميق تعاوننا في مجالات متعددة. وقد شدّدنا مرّة أخرى، في تلك المناسبة،على آمالنا المستقبلية تجاه هذا البلد.
وسوف تواصل تركيا تعاونها مع الحكومة الانتقالية العراقية، والشعب العراقي، والمجتمع الدولي من أجل إتمام مشروع التحول العراقي بنجاح. ونحن مستعدون لأن نسهم في عملية الانتقال الديمقراطي في العراق بكل الطرق الممكنة.
* كيف توازن تركيا علاقاتها مع إسرائيل والعالم العربي، خاصةً سوريا؟ ما هي الإمكانيات القائمة فعلاً لأن تلعب الحكومة التركية دور الوسيط في التوصل إلى اتفاق سلمي بين سوريا وإسرائيل؟
- تتأثر تركيا تأثراً مباشراً بكل التطورات التي تجري في المنطقة. وإقامة سلام دائم واستقرار في المنطقة هو واحد من أولويات سياستنا الخارجية.
لتركيا علاقات جيدة مع إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإننا راضون عن الارتفاع السريع في مستوى تعاوننا مع سوريا. ولتركيا مصلحة في السلام والاستقرار في المنطقة وهي مستعدة لأن تسهم بأية طريقة ممكنة في التوصّل إلى هذا الهدف. وفي السياق الإسرائيليnالسوري، فإنِّ من الممكن وصف دور تركيا الممكن بأنه دور (المُيسِّر) لإعادة عملية السلام إلى مسارها. وفي كلمتي في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس في 24 كانون الثاني 2004، أعلنت أن تركيا مستعدة للقيام بأي دور ييسّر العودة إلى مباحثات السلام بين إسرائيل وسوريا.
وتركيا على صلة دائمة مع كلا الطرفين. وبوصفنا بلداً يحوز ثقة جميع الأطراف المعنية، فإننا نحاول استغلال كل فرصة لكي ننقل بصورة مباشرة وجهات نظرنا وتقويماتنا حول حلّ الصراع العربي- الإسرائيلي. ونحن عازمون على القيام بعملنا في المساعدة على إقامة السلام والاستقرار في المنطقة.
* هل ترى أنّ المسعى التركي لإقامة علاقات قوية مع إسرائيل يمكن أن يكون مسألة استراتيجية على المدى البعيد، خاصةً أنَّ بعضهم يتحدّث عن تنافس تركي-إسرائيلي على لعب دور إقليمي أكبر في الشرق الأوسط؟
- العلاقات بين تركيا وإسرائيل تواصل تطورها عبر دينامياتها الخاصة. لكن هذه العلاقة لا تؤثّر بأي حال من الأحوال على روابطنا المتينة مع العالم العربي.
ورغبتنا تجاه المنطقة ككل هي رغبة واضحة. فإقامة سلام شامل ودائم في الشرق الأوسط وتطور هذه المنطقة الجغرافية وصيرورتها منطقة مستقرة ومزدهرة يبقى هدفنا الدائم.
إننا نعتقد أنَّ التسامح، والحوار، والتعاون، ينبغي أن تكون الوسائل الأساسية في الطريق إلى تلك الغاية. ونحن لا ننظر إلى اهتمامنا بهذه المنطقة بمنظور التنافس مع أي طرف.
* ما هي آخر تطورات المسألة القبرصية، خاصة مع تلك الإشارات الإيجابية التي أطلقتها الحكومة التركية فيما يخصّ الشطر التركي من قبرص؟
- لقد كشف الاستفتاءان اللذان أجريا في كلا شطري الجزيرة في الوقت ذاته، يوم 24 نيسان 2004، عن وجود رفض كاسح لدى الجانب القبرصي اليوناني لخطة الأمم المتحدة المتعلقة بحل المسألة القبرصية، في حين وافق القبارصة الأتراك على تلك الخطة بأغلبية واضحة. وكما أكّد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره عن مهمة المساعي الحميدة التي قام بها في قبرص، والذي صدر يوم 3 حزيران 2004، (إذا ما كان القبارصة اليونان مستعدين لتقاسم السلطة والازدهار مع القبارصة الأتراك في بنية فيدرالية قائمة على المساواة السياسية، فإنِّ ذلك يحتاج إلى تبيان، ليس بالكلام وحده، بل بالأفعال أيضاً).
ولقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره هذا أعضاء مجلس الأمن إلى أخذ نتائج اقتراع القبارصة الأتراك الإيجابية بعين الاعتبار، ووجّه بقوة جميع الدول لأن تتعاون ثنائياً وفي الهيئات الدولية لإزالة القيود والحواجز غير الضرورية التي تعزل القبارصة الأتراك وتحول دون تطورهم.
والخطوات الأولية التي اتخذها المجتمع الدولي لوضع حدّ لعزلة القبارصة الأتراك لم تفضِ بعد إلى النتائج المرجوة في تخفيف معاناة القبارصة الأتراك، واستمرار هذه العزلة لا يؤدي إلا إلى مكافأة الجانب الذي رفض خطة عنان. وكل تأخير في وضع حدّ لهذه العزلة سوف يزيد من الخيبة وعدم الثقة الموجودين أصلاً لدى الرأي العام التركي سواء في شمال قبرص أم في تركيا.
وفي اجتماع وزراء خارجية المؤتمر الإسلامي المنعقد من 14-16 حزيران، كان أن أُطلقت أيضاً دعوة قوية بهذا الشأن.
وبالانسجام مع ذلك القرار، فإننا نشجع أخوتنا في البلاد الإسلامية على التعاون الوثيق مع القبارصة الأتراك من منظور مساعدتهم اقتصادياً وسياسياً وزيادة علاقاتهم معهم في جميع المجالات، خاصة مجال النقل المباشر، والتجارة، والسياحة، والثقافة، والمعلومات، والاستثمار، والرياضة.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved