شعرت الليدي ساره الابنة المدللة للورد ونستون تشرشل -السياسي البريطاني المخضرم وزعيم حزب المحافظين خلال الحرب العالمية الثانية- بالحيرة لصعوبة المفاضلة بين شخصين طلبا في وقت واحد الاقتران بها، أولهما شاب غني يملك العديد من الحانات وعلب الليل في مدينة الضباب لندن، والآخر السير أنطوني أيدن وزير الخارجية البريطاني آنذاك، وطلبت النصيحة من والدها تشرشل، فقال كلمته المشهورة (المال يغطي العيوب والسياسة بأضوائها تكشف العيوب).
وأصبحت هذه الجملة المركزة الفاصل بين سلطة رأس المال وتأثيرها على الحياة السياسية في أي مجتمع رأسمالي.
ونشط الاستثمار العربي والأجنبي في مجال الفندقة والمدن السياحية وأصبح تأثير ذلك على السياسة واضحاً.. فشركات الفندقة في المالديف وجزر الكاريبي وسيشل لها تأثير واضح على صانعي القرار في هذه الدول. وقد شكلت بعض الشركات السياحية مجموعات متكاملة من العمل السياحي، فهي المالكة والمديرة والمسوقة، وقد تملك أسطولاً بحريا أو جويا ناقلاً للأفواج السياحية، فالمستثمر الممول في الدول السياحية هذه يربط العلاقة بين السياحة والسياسة..
فالتدفق السياحي الموجه لأي بلد يظهر مدى قوة العلاقات السياسية بين هذين البلدين.. ففي الصيف المنصرم مثلاً شكلت الأفواج السياحية الخليجية نسبة عالية جداً من مجموع عدد السواح في مصر العربية ولبنان الشقيق، وذلك نتيجة للعلاقات الممتازة والمميزة بين دول الخليج العربي والدول العربية السياحية الشقيقة هذه، والتي ساعدت على جذب هذا العدد الكبير من السياح الخليجيين نتيجة عدم عزمهم التوجه لأوروبا وأمريكا.
ويأتي الاستثمار السياحي عاملاً مهما في توثيق العلاقات الدولية.. فأذكر بالترحيب والتقدير الاستثمارات السعودية في مجال العقار والسياحة في ربوع الشقيقة تونس والمغرب ومصر العربية ولبنان.. حتى أصبحت الفنادق والمدن السياحية في بلداننا الشقيقة مدعاة للشكر من شعوبنا العربية نحو رأس المال السعودي المستثمر في مجالات السياحية والذي هيأ فرصا وظيفية متعددة وقلص نسب البطالة والتي تم اختيارها كساحة استثمارية سعودية.
ففي القاهرة مثلا يقام صرح معماري رائع مكون من أبراج سكنية ومجمع تجاري وفندق خمس نجوم ومستشفى تقدر ميزانيته الاستثمارية بأكثر من مليار دولار لا مثيل له في مدينة المستثمر عروس البحر الأحمر جدة!!.
إنه مدعاة للفخر والاعتزاز لكل مواطن سعودي قبل حكومته الرشيدة أن يحصل أي رجل أعمال سعودي على وسام تقديري من أي دولة أجنبية لمشاركته المميزة في تنمية اقتصادها باستثماراته الاقتصادية المنوعة، خلافا لبعض الشركات المتعددة الجنسيات والتي تعمل في بعض الدول التي تعتمد على السياحة مصدرا رئيسيا لدخلها الوطني والتي تؤثر في وضعها السياسي وتتدخل في شؤونها الداخلية لما يضمن مصالحها الاستثمارية، مستغلة حاجة اقتصاد البلد لنشاطها السياحي.. فاللعب على حبال الاستثمار والسياسة مثل نار الشتاء يتمتع بدفئها من كان بعيداً عن لهيبها، وقد يحترق من يضع أصابعه بين جمراتها قبل أن تدمع عينيه من دخانها!
كلمة طيبة:
لكل من يقيّم الرجال بالفلس والدولار وينسى أو يتناسى وفرة العلم وسهر الليالي من أجل خدمة الوطن والإنسانية.. أضع هذا التقييم السامي من الأقوال الدرر للخليفة الرابع القرشي الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه حين قال:
سليمُ العرضِ من حذرَ الجوابا
ومن دارى الرجالَ فقد أصابا
ومن هاب الرجالَ تهيبُوُه
ومن يُهنِ الرجالَ فلن يُهابا |
***
رضينا قسمة الجبار فينا
لنا علم وللجُهّال مالُ
فإن المال يفنى عن قريب
وإنّ العلم باقٍ لا يزالُ |
(*) محلل إعلامي - عضو جمعية الاقتصاد السعودية |