أخيراً.. تجتمع الأمة الإسلامية على شيء واحد وهو صوم رمضان.. شهر يأتي في العام مرة واحدة، يخضع فيه المسلمون لركن من أركان الإسلام دون تأويل أو تغيير في طبيعة الصيام.. أسئلة هذا العام حول الصوم ومفطراته هي نفسها أسئلة العام الماضي والعام القادم إن شاء الله, وكلها تدور حول الإفطار الخطأ أثناء الصيام أو التوقان إلى الزوجة وما شابه ذلك.
وصائمو هذا العام أيضاً هم صائمو العام الماضي.. وهذه هي سنة الله في خلقه. وفي رمضان تشعر بمشاعر جميلة وقت الصيام، حيث كونك صائماً، والناس جميعاً في جميع أنحاء العالم من مسلمين صائمون مثلك غنيهم وفقيرهم.. صغيرهم وكبيرهم.. ذكورهم وإناثهم.
أرأيتم كيف أن فريضة الله لا تحتاج مناقشة أو (فيتو) من أحد؟.. ولا يملك أي مسلم إلا أن يخضع لهذا الركن الإسلامي المهم في ديننا, فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (185) سورة البقرة.
الأمر بالصيام للجميع؛ ولذلك ترى في شوارع المدن الإسلامية ما يسمى (بموائد الرحمن).. فيها يسعى الأغنياء ليفطِّروا الصائمين من فقراء المسلمين حتى ينالوا الأجر والثواب من الله؛ لأن من المفروض أن يكون الناس جميعهم صائمين.
لا نستطيع ان نعدد الفوائد التي لا تحصى من الصيام.. فهناك فوائد جسدية وفوائد روحية.. فمن الفوائد الجسدية أنك تعطي جهازك الهضمي راحة في النظام الغذائي، حيث الإفطار في وقت محدد, والسحور في وقت محدد, وهذا فيه منفعة كبرى للبدن.. وبتقليل الطعام تسد مسالك الشيطان في دمك. ومن الفوائد الروحية أنك تربي نفسك على طاعة الله؛ فالإمساك عن الطعام والشراب والشهوة في نهار رمضان لمدة ثلاثين يوماً يجعلك تستطيع الإمساك عن الذنوب جميعها في باقي شهور السنة.. فربُّ رمضان هو ربُّ باقي أشهر السنة.. غير أن الثواب فيه مضاعف، وفي ذلك فرصة ليضاعف العبد رصيده من الحسنات مثلما يعمل طوال العام على مضاعفة رصيده من الأموال.. غير أن الأموال نتركها للورثة، والحسنات نأخذها لتحمي وجوهنا من لفح نار جهنم.
أصدقائي.. لنتذكر أن الجوع في نهار رمضان حكمته الكبرى هو أن يشعر الغني بما يقاسيه الفقير من جوع.. وليرق قلب الغني على الفقير.. فالصوم واجب على كل مسلم بالغ عاقل.. والغالبية العظمى من المسلمين يصومون رمضان ويلتفون حول مائدة الإفطار قبل أذان المغرب بلحظات.. حتى إذا سمعوا مؤذن المغرب أفطروا.. وذهبوا إلى صلاتهم ليرحمهم الله. وللصائم حين يفطر دعوة لا ترد من قِبَل الله عز وجل.. فلنتفق أن ندعو الله بتحرير المسجد الأقصى من قبضة اليهود.. لعل الله يتقبل دعاءنا فنعمل على تحريره.. ولنتفق على التوبة النصوح لوجه الله وندعو الله ان يتوب علينا من جميع معاصينا.. ولنتذكر إخواننا المسلمين في فلسطين والعراق وكيف أنهم يودعون كل يوم شهداءهم ونحن نقف عاجزين عن رفع هذا الظلم عنهم.
ولنتذكر كيف أننا كمسلمين في كل بقاع الأرض نصوم سوياً ونفطر سوياً ونتفق على طاعة الله في شهر واحد من العام كله.. فلماذا لا نتفق جميعاً على أن نتحرر من ذُلِّ أسر المسجد الأقصى وأسر النساء المسلمات في السجون الإسرائيلية والسجون الأمريكية في العراق.. ولننظر في المرآة ونسأل أنفسنا: كيف نجعل صيامنا مقبولاً من الله؟! وكيف نجتمع على رأي واحد يكون فيه العزة للمسلمين جميعاً.. كيف يكون حالنا طوال العام بعد رمضان.. إسألوا رمضان!!
حسين أبو السباع |