حين أفضَتْ إلى أذني إعلامية شهيرة في بلادها بعبارة ألحقَتَْها بسؤال: (المجتمع الإعلامي أكثر إرهاقاً عندنا من أيِّ مجتمع، فهل هو لديكم كذلك؟)
لم تكن إجابتي لها في أذنها، بل انتهزتُ جلسةَ نقاش وناقشت عبارتها، قلت لها ولمن يجلس: المجتمع الإعلامي يتعامل مع الأضواء، وقد جُبل الإنسان على حبِّ الظهور ولأنَّ الإعلامي يسعى لذلك، فإنَّ ثمَّة (غرائز) تدفعه للتَّنافس، وللاحتكاك، ولمحاولة الظهور، أو الصعود للظهور، ولذلك تتكوَّم الجثث كي يعتلي فوقها منصَّة الضوء كلُّ من يرغب منهم فيه ويسعى له، وهم أكثر عدداً ممَّا يُظن رجالا كانوا أو نساءً.
وأضيف فأقول: يلاحَظ أنَّ أيَّ (جماعة) علمية أو مهنية يجمعهم التخصص، ويوحِّدهم هدف التطوير في مجاله، ولأنَّ التخصص العلمي في مجال من المجالات المعرفية يزداد قوَّة، ونماءً بتضافر العمل فيه حتى إن كان العمل فرديا، فإنَّه يحسب لكلَِّ ذي خبرة جزئية فيه حقَّه الذي لا يضيع لذلك لا يكون في هذه الجماعات ما يدعو إلى التَّناحر والتَّنافس غير المُرْضي فتنجح الجماعات وتوفَّق في مسيرتها التَّوجهات، إلاَّ في جامعة الإعلاميين ذلك لأنَّهم ينقسمون إلى فئتين، فئة المختصين وهؤلاء يندرج وضعهم مع وضع جميع الجماعات النَّظيرة فتجدهم يعملون، ويطوِّرون وهدفهم النجاح في المجال، وإنجاح المجال.
أمَّا الفئة الثَّانية فهم المهنيون، من غير ذوي الاختصاص، وفيهم تكثر المنافسات غير المجدية، وتتشعَّب النَّوايا، ويتفاقم التَّواجه الحاد، وتُنمو الروح السالبة وتنعكس على العلاقات، وتُستغل من قِبلهم القدرة على الطعن في الآخر، والتعريض له، وبثِّ الرأي المضادِّ نحوه بطرق عدة:
إمَّا بالكتابة عنه وتسخير العناوين العريضة والعبارات المؤثَِّرة، وإمَّا بإذاعة الآراء المضادة وبثِّها حيث يكونون مستغلَِّين سلوك (الانبهار) بهم الذي ينعكس في جماعات الأفراد من عامة المتعاملين مع وسائل الإعلام لما للإعلام من ضوء وجاذبية وغموض وسلطة تأثير، وإمَّا بالصدِّ، والتجاهل والغياب عن أيِّ نشاط للعناصر الأخرى محور منافستهم، لذلك تجد مجتمع الإعلام مجتمعا مرهقا، جاحدا، إن أحبَّ أغدق على غير ذي استحقاق، وإن كره أغدق على غير حق، في الإغداق الأول يمنح الصفات ويعزِّزها، وفي الآخر يسلب الحق ويجرد أصحابه منه.
وتكثر هذه الروح فيهم بين من لم يحصل منهم على ما يريده أو لم يوضع حيثما يشاء... ذلك لأنَّ الروح التي تدفعهم، والباعث الذي يحرِّضهم هو الذات لا العمل، والاسم الشخصي لا المجال العملي.
من هنا تفقد وسائل الإعلام مصداقيتها في كثير ممَّا يأتي من مثل هؤلاء المهنيين (المهنيات) ممَّن لم يتخصصوا فيخلصون للمجال، ولم ينجحوا فيتبنّون أهداف المهنة.
وفي كلَِّ زمان ومكان يبوء الناجحون بذنوب الفاشلين عند غياب الصدق وسلامة الضمير.
|