Saturday 16th October,200411706العددالسبت 2 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الإصدار الدولى"

الجذور التاريخية للسياسة الانفرادية الأمريكية الجذور التاريخية للسياسة الانفرادية الأمريكية

الكتاب:War and the American Presidency
المؤلف:Arthur M.Schlesinger
الناشر:W.W.Norton and Company 2004
إن كتاب المؤرخ الأمريكي أرثر شليزنجر (الحرب و الرئاسة الأمريكية) هو مجموعة انعكاسات تاريخية تفند بمهارة كبيرة الأسس السياسية والفكرية للسياسة الخارجية للرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش.
يبدأ المؤرخ الأمريكي كتابه بتتبع الجذور التاريخية لتوجه الإدارة الأمريكية نحو المضي قدما في تنفيذ أهدافها بمفردها وبمعزل عن المجتمع الدولي مشيراً إلى أنه على مدار (الجزء الأكبر من تاريخ الولايات المتحدة كانت هذه الدولة تعتمد مبدأ الانفرادية في العلاقات الخارجية وبقدر كبير من العناد).
وقد اتخذ من نموذج المشاركة الأمريكية في الحرب العالمية الثانية نموذجا لتأكيد ما يقوله.
فقد احتاج الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت فرانكلين روزفلت إلى شن حملة دبلوماسية عامة من أجل إقناع الشعب الأمريكي بضرورة مساندة الحلفاء في الحرب وبالسمة المركزية للقيادة الدولية.
وهذه السمة التي ميزت العلاقات الأمريكية بالفعل خلال سنوات الحرب الباردة عندما كانت واشنطن تتحرك بين ومع حلفائها باعتبارها مركز القيادة الدولية وهو ما لم يتحقق مع إدارة الرئيس بوش.
ويؤكد شليزنجر على أنه (لا شك مطلقا في القوة الدافعة التي تتمتع بها عملية إحياء النزعة الانفرادية في السياسة الخارجية الأمريكية). ويؤكد أيضا أن تلك النزعة استمدت المزيد من الطاقة من خلال انفراد الولايات المتحدة بالتفوق العسكري على مختلف دول العالم بعد انتهاء الحرب الباردة. وتجلت هذه النزعة بأوضح صورها في مبدأ الحرب الاستباقية التي تبنتها الولايات المتحدة بما يتيح لها شن الحرب ضد أي دولة أو منظمة ترى أنها تمثل خطراً محتملاً عليها.
ولكن شليزنجر يحذر في كتابه (الحرب ومؤسسة الرئاسة الأمريكية) من أن القوة العسكرية لا يمكن أن تكون بديلاً عن الأصدقاء أو الحلفاء. كما أنها ليست بديلاً عن الحكمة المطلوبة. ولكنها للأسف تحفز على الاستكبار. والاستكبار يقود في النهاية إلى الهزيمة.
وقد أدرك الشعب الأمريكي هذه الحقيقة بطريقة قاسية عندما وجد نفسه في مواجهة حرب لا تكفي فيها القوة العسكرية لتحقيق الانتصار ولمنع نزيف الخسائر المادية والبشرية في صفوفها وهي تلك الحرب التي شنتها إدارة الرئيس بوش ضد العراق.
وعن الوطنية وسياسات الحروب لدى إدارة الرئيس بوش يطرح الكاتب والمؤرخ الأمريكي الشهير وجهة نظر تقول إن السلطة التنفيذية في هيكل الحكم الأمريكي المكون من السلطة القضائية والسلطة التشريعية والسلطة التنفيذية حصلت على صلاحيات سياسية تفوق كثيرا ما كان يقصده الآباء المؤسسون للولايات المتحدة. وأدى هذا الوضع إلى ظهور (الرئاسة الإمبراطورية) التي لا تجد ما يكبح جماحها من خلال المحاسبة الدستورية. وقد شاهدنا كيف وسع وزير العدل الأمريكي المدعي العام جون أشكروفت من حدود سلطاته وصلاحياته مدعوما بقانون مكافحة الإرهاب الذي صدر بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
ويقول شليزنجر إن تعريض الحريات المدنية للخطر تذكرنا بقوانين ألين وسديشن عام 1798 واعتقال الأمريكيين من أصل ياباني في مراكز اعتقال ضخمة خلال الحرب العالمية الثانية. ويهاجم شيلزنجر بعنف إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش ويتهمها باستغلال سياسات الترهيب والتخويف وإطلاق تهمة عدم الوطنية على كل من يعارضها في زمن الحرب.وقد كان نجاحها في تحقيق هذا هو السبب المباشر في أن الشعب الأمريكي لم يتمكن من مناقشة شن الحرب ضد العراق بالصورة الكافية كما كان يحدث في الفترات التي سبقت الكثير من حروب أمريكا في الماضي.
فقد وجدت إدارة الرئيس الأمريكي نفسها تتمتع بسلطة مطلقة داخل أمريكا وخارجها وهو ما جعل هذه (الرئاسة الإمبراطورية) للولايات المتحدة تتبنى سياسة خارجية إمبراطورية. في الوقت نفسه فإن تاريخ الولايات المتحدة يؤكد صحة الاتهامات التي يوجهها شليزنجر إلى بوش ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن الديموقراطية الأمريكية قادرة على تصحيح نفسها.
وهو نفس ما يقوله شليزنجر عندما يؤكد أن التهور والطيش اللذين تتعامل بهما الإدارة الأمريكية الحالية لن يستمر طويلا لأن الشعب الأمريكي نفسه لا يريد النزعة الإمبراطورية وهو ما اتضح في المظاهرات العنيفة ضد الحرب في العراق في شوارع المدن الأمريكية. لذلك فإن (الطبيعة الإنسانية والنزعة نحو الجماعية وقيم التسامح) لدى الشعب الأمريكي سوف تنسف الطموحات الإمبراطورية للرئيس بوش.
وفي ثلاث مقالات ضمن الكتاب يسهب شليزنجر في توضيح الحاجة إلى إعادة الاعتبار لهذه القيم الأمريكية والاستفادة من دروس التاريخ من أجل مواجهة تلك النزعة الإمبراطورية والانفرادية لدى الرئيس بوش وإعادة التوازن بين السلطات في النظام السياسي الأمريكي حتى لا نسمح بزيادة السلطات المخولة لمؤسسة الرئاسة على حساب سلطات أو صلاحيات السلطة التشريعية مثلا.
ويؤكد المؤلف على ضرورة إلمام الشعب الأمريكي بتاريخ المؤسسة الرئاسية الأمريكية ويقول إنه إذا افتقد الشعب الأمريكي للمعلومات التاريخية عن مؤسسة الرئاسة وبخاصة في هذا التوقيت الذي يسبق الانتخابات الرئاسية الأمريكية فربما لن يستفيد من دروس الماضي عندما يتجه إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت لرئيس أمريكي جديد. كما أن هذا الغياب للمعرفة التاريخية لن يؤدي إلى مناقشات مفيدة لرئاسة بوش ومبدأ الحرب الوقائية الذي يتبناه والغزو الأمريكي للعراق. وفي ظل المناخ السياسي الحالي في أمريكا يعيش المعارضون تحت الهجوم المستمر حيث يواجهون اتهاما بزيادة المخاطر التي تتعرض لها القوات الأمريكية في العراق.
وقد أشارت التصريحات الصادرة من واشنطن خلال الفترة الأخيرة إلى إمكانية توسيع دائرة الاتهام لأي معارض أمريكي لسياسات البيت الأبيض لتصل إلى حد الاتهام بالخيانة العظمى.
يأتي كتاب شيلزنجر في توقيت مناسب تماما لمواجهة هذه النزعة (الاستبدادية) من جانب إدارة الرئيس بوش ودائرة الصقور المحيطة بها. فهذا الكاتب يقدم عرضا تاريخيا موثقا للرئاسة الأمريكي يخلص إلى تأكيد الحاجة إلى المناقشات الصريحة والمفتوحة لكل قضايا السياسة الخارجية وعرض كل وجهات النظر المناهضة لرؤية الرئاسة الأمريكية باعتبار هذا حائط الصد الرئيسي لحماية أمريكا من الانهيار.
ويؤكد الكاتب الأمريكي أن القوة العسكرية لا يمكن أن تكون بديلا عن الحكمة وأنها لا تستطيع تحقيق سوى أهداف محدودة للغاية مهما كانت تفوق هذه القوة العسكرية. وقد خرج علينا الرئيس بوش ليقلب مبدأ (السلام من خلال منع الحرب) ليجعله (السلام من خلال الحرب الوقائية) وهو انقلاب جذري ينطوي على مخاطرة كبرى. والحقيقة أنه (لا يمكن أن تمنع أي شيء بالحرب إلا السلام). وحتى إذا سلمنا بمنطقية الحرب الوقائية فيجب أن نؤكد على أهمية استناد هذه الحرب على معلومات مخابراتية دقيقة وعمل مراجعة لكل دروس التاريخ من أجل الخروج منها بأفضل صيغة ممكنة تضمن لنا السيطرة على الموقف بعد الحرب حتى لا تتحول إلى حريق لا يمكن السيطرة عليه وتصبح المخاطر الناجمة عنها أشد من المخاطر التي شنت الحرب لإجهاضها. ويطالب الكاتب بضرورة الرقابة المستمرة لمعرفة كل ما يمكن أن ينطوي عليه طغيان القوة والغطرسة من مخاطر في المستقبل. وقد كان الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيسكون آخر (الرؤساء الأباطرة) قبل جورج بوش حيث تمكن من اختطاف السياسة الخارجية الأمريكية بعيدا عن أي رقابة من جانب الكونجرس وتمكن من الإخلال بموازين القوى بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. وعندما جاء أسامة بن لادن بهجمات الحادي عشر من سبتمبر فتح الباب أمام الرئيس جورج بوش ليدخل بنا مرة أخرى عصر (الرئاسة الإمبراطورية). ومع بوش جاء وزير عدله جون أشكروفت وقانون مكافحة الإرهاب الجديد ليفرض على الحريات المدنية للأمريكيين قيودا صارمة ويطلق يد السلطة التنفيذية بعيدا عن رقابة السلطتين التشريعية والقضائية بدعوى محاربة الإرهاب. وإذا كان النقاد يقولون إن نجاح أي كتاب يرتبط بعدد الأسئلة التي يمكن أن يثيرها في ذهن قارئه حول موضوعه فإن كتاب (الحرب والرئاسة الأمريكية) حقق قدرا لا بأس به من النجاح لأنه بالفعل أثار العديد من الأسئلة ودفع إلى التفكير في العديد من المشكلات.
على سبيل المثال إذا كانت الحرب هي التي تجسد طبيعة الرئاسة الإمبراطورية ومن المؤكد أن الأحداث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر جعلت الرأي العام أكثر اضطرابا وأكثر رغبة في السير وراء قادته فهل الشعب الديموقراطي يواجه التزاما أخلاقيا لوقف المعارضة في زمن الحرب ؟ وهل هذا هو النموذج الذي قدمه لنا الأجداد فيما مضى؟ وبالنسبة لشعب كالشعب الأمريكي قام على أكتاف المنشقين الأوروبيين الذين غادروا أوروبا إلى العالم الجديد في الأمريكتين ما هي طبيعة الوطنية؟
وما يحسب لشيلزنجر أنه لم يكتف بإثارة الأسئلة ولكنه أيضا قدم إجابات مفصلة لها.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved