كانت الطائف متنفساً صيفياً للناس، وكانت في عهد الملك فيصل يرحمه الله مقراً للحكومة صيفاً، وهي الطائف التي نعرفها عندما كنا صغاراً، بساتين شهار والمثناة ووج وغيرها من أودية وأحياء الطائف التي كانت تسمى بالمأنوس، وتغنى بها شعراء في الجاهلية والإسلام لجمالها وعذرية أرضها التي ترتفع وتهبط ببسمة الخضرة فيها، أيامها تخرج من بيتك على قدميك وأنت تحمل معك متاعاً خفيفاً، وتنزل إلى أقرب بستان لتمضي الوقت مع أهلك خارج السكن، وعندما تمتطي السيارة لتخرج من طرف المدينة شمالاً أو غرباً أو جنوباً فسيكون هناك متسع من الأودية تظللها الأشجار الكثيفة.
والطائف اليوم تحولت إلى كتل من الإسمنت والطوب في كل مكان منها، تتجه إلى جنوبها فترى الا مكان لك إلا ان تقطع مسافة لا تقل عن 40كم، عندها ستجد أرضاً قدر مفحص القطاة لتستريح فيها، هذا إذا تجاوزت وادي ليّة السفلى، أما إذا انعرجت للوادي فسوف تجد شجراً من أشجار الطلح والعراد قد صار هشيماً، لكنه لا زال يعطي الظل، وكما قال الشاعر:
يموت الشجر واقفا وظل الشجر ما مات
فعلا ما أكرم الشجر حتى وإن مات هناك، أما الخدمات في وادي ليّة فهي عبارة عن دورات مياه قذرة إلى درجة مقززة، بالرغم من قرب لوحة تقول: بلدية جنوب الطائف، لكن لا أهضم عمال النظافة حقهم في أنهم ينظفون باستمرار، أما أصحاب السيارات التي تشبه الجرذان فهي تقوم بدور مزعج في صوت مسجلاتها في المنتزه، وكذا دورانها ليلاً.
وأعتقد ان السيارات الكثيرة التي نراها في الطائف ما هي إلا عابرة سبيل إلى الجنوب، سواء الباحة أو أبها أو غيرهما، لأن الطائف قد ماتت مع موت أوديتها التي صارت محفوفة بسياجات وعقوم مرتفعة بحيث لن تستطيع السيارة تجاوز الحاجز الترابي المرتفع بشموخ وإذا تجاوزته إلى واد آخر ستجد نفس المشكلة في الوادي الآخر الذي لا أحد فيه سوى السياج أو العقم الترابي، وهكذا وأنت تسير بين أودية لا تستطيع دخولها، لكن الضحية هو المزارع البسيط الذي يقبع في بيت صغير ومزرعة صغيرة فقدت خصوصيتها لأن السياح مضطرون إلى دخول هذه المزرعة أو تلك حتى وإن غضب، فغضبه لن يصل به إلى طردهم بالقوة، وحسبما قال أحدهم لي: شدة وتزول يا ولدي. أي أنهم يصبرون على السياح في الصيف فقط، مع أنهم لا يستفيدون منهم مثلما يستفيد أصحاب المتنزهات الجشعين جداً.
وإذا اعتليت إلى ما كان منتجعاً للناس تحت الأشجار وفي الأودية فلن تجد إلا كتلا من الإسمنت وسياجات على فلل، ونفس المشكلة يلجأ السائح إلى مزارع المزارعين الصغار فيدخلها بعد ان يستأذن منهم بشبه القوة، لأن كل الأماكن إما مساكن حديثة ومحكمة السياجات أو أراض وأودية عليها سياجات لا يمكن دخولها.
تقولون: السياحة في بلادنا! ونقول: أين هي ؟!
ولكن إذا أردت أن تستفيد من مصروفات السائح فوفّر له سياحة نظيفة نزيهة جميلة واحفظ له حرية اختيار المكان، ولا تضطره إلى ان يكون هنا أو هناك، هذا في الطائف، أما الجنوب فلم أذهب إليه قط، وقد يكون مثل الطائف.
أكبر متنفس للسياح في الطائف هو حديقة الملك فهد، وهي حديقة كبيرة تجمع بين الترفيه والراحة، لكن كيف الوصول إليها؟
يصعب الوصول إلى حديقة الملك فهد لأن رسوم الدخول غالية جداً، نعم غالية جداً، وربما قال متحذلق: كيف تكون غالية والرسم عشرة ريالات فقط؟!
والجواب هو: ان تلك العشرة تؤخذ على كل (رأس) أي أن الرجل الذي لديه سبعة أطفال وهو وزوجته وعاملة المنزل سيكون رسم دخولهم مائة ريال لا غير في كل مرة يدخل متنفساً مثل حديقة الملك فهد، ولك ان تتصور أنه يدفع 100 ريال يومياً فكم ستكون أثناء رحلته، زد على ذلك ما يدفعه للألعاب التي لا يقل الرسم فيها عن عشرة ريالات للمرة الواحدة، أي أنه سوف يصرف 500 ريال للحديقة فقط، بينما تلك الـ500 سوف تكفيه لمدة ثلاثة أيام في بلد شقيق وسياحي، فأيهما تختار؟!! لماذا إذن لا يكون رسم الدخول عشرين ريالاً على الأسرة الواحدة وكفى؟
نحن نتحدث عن السياحة وكسب الراحة، لكننا لم نعرف كيف نعطي السائح الاعتبارية في احتوائه ليكون من سياح الداخل، وأنا هنا لا ألوم من يهرب خارج الحدود، لأنه سوف يوفر الجهد والمال، فما الذي قلب الحال وصيّرنا إلى هذا المآل؟ هل هو جشع التجار أم غفلة المسؤولين في الطائف؟
يجب على المسؤولين في الطائف ان يكونوا أكثر وعياً وأكثر بعداً حضارياً لأن التهاون أو غض النظر عن جشع التجار سيحرم الطائف كسباً كثيراً يكون مردوده ذا فائدة على أهلها الذين تقوم حياة معظمهم على السياحة، وسوف يخسر الأجانب الذين يبيعون في برحة العباس وبرحة القزاز، لأن السائح إذا أراد ان يشتري هداياه فلن يجد سعودياً يتحدث معه لغته، فكل الباعة إلا ما قل من الهنود والبنغال وغيرهم ممن يحتل تلك الأماكن التي مسمياتها باسم فلان الفلاني، بينما نحن نعرف بعضنا جيداً.
الطائف تحتاج إلى خطة عمل صارمة وقوية دون ان تكون هناك ضغوط على المسؤولين فيها والذين يغضّون الطرف مجاملة لفلان أو فلان، ويجب ان تكون هناك لجنة من وزارة السياحة للنظر في ذلك، هذا إذا أردنا ان يكون سمننا في دقيقنا وحتى لا تكون الطائف محطة عبور فقط لمن أراد ان يعتمر أو يسافر للجنوب... هل بلّغت؟ اللهم فاشهد.
فاكس 2372911
|