في المقال السابق تم التطرق إلى أن ضعف إدراك الطفل ومحدودية إمكانياته وقدراته النفسية والعقلية والجسدية يجعله غير قادر على حماية نفسه أو الدفاع عنها لأنه غير مؤهل جسدياً أو فكرياً!! لذلك فهو بحاجة إلى حماية دائمة، إلا أن ما يؤلم الطفل حقاً صدور الأذى ممن كان يتوقع منهم الحماية كالوالدين والمعلمين! ويصعب عليه تصديق أن والده يضربه لأنه يحبه، ومعلمه يعنفه لأنه يؤدبه!! والضبابية في إدراك مفهوم العنف عند الآباء والمعلمين بل وحتى عند المجتمع تزيد الأمر سوءاً!!
إن العنف الذي يتلقاه الطفل في صغره يجعل من الصعوبة تلافي آثاره السلبية على حياته حتى بعد أن يكبر وتتشكل شخصيته، فقد يؤدي به للانحراف أو يكون مشروع زوجٍ فاشل في إقامة علاقة ودية مع زوجته، أو أبٍ قاسٍ على أولاده، فالطفل الذي ذاق مرارة الإيذاء يكره المجتمع سواء الذين تسببوا في أذاه، أو الذين قصروا عن حمايته، فضلاً عن شعوره بالألم النفسي والحقد الذي قد يقوده للانتقام أو الانتحار!!
ويحسن بالجميع مشاركة الطفل وجدانياً، فحين يشكو ولو من جرح قديم في جسده، لابد أن نتفاعل معه ونعالج الجرح وكأنه حصل للتو واللحظة حتى يشعر بالطمأنينة والهدوء النفسي.
وفي دراسة أعدتها الدكتورة هدى القطان عام 1994م حول إيذاء الأطفال في المملكة، حيث تعاملت مع الأطفال بشكل مباشر وشملت 10 حالات لأطفال تعرضوا للإيذاء وتم إدخالهم مستشفى الملك فيصل التخصصي بين عامي 86 و92م، ونتيجة للأذى الذي تعرض له الأطفال فقد توفي طفلان بينما خمسة لديهم إصابات خطيرة وثلاثة منهم لديهم حالات معتدلة الخطورة.
كما أظهرت الدراسة أن إيذاء الأطفال يحدث بصورة أكثر من الأسر ذات الدخل المنخفض والتي يقل دخل الأسرة عن ثلاثة آلاف ريال، حيث وصلت النسبة 29.5% في حين يتعرض الأطفال من والدين منفصلين للإيذاء البدني أكثر من غيرهم بنسبة 42%، وشكَّل الأطفال المتوفى آباؤهم والذين يتعرضون للإيذاء نسبة 23.6%، ثم الحالة التي تكون الأم فيها متوفاة نسبة 18.8%. ولعل المفاجئ في الدراسة أنه بمقارنة المستوى التعليمي للأم وتعرض الأطفال للإيذاء اتضح أن الأطفال لأم تحمل (المؤهل الجامعي وما فوق) يتعرضون للإيذاء بنسبةٍ عاليةٍ تصل إلى 26%، حيث يزداد خروج الأم للعمل وترك الأطفال في البيت مع الخادمات أو الأقارب ومن ثم تعرضهم للأذى، يلي ذلك الأطفال الذين تحمل أمهاتهم الشهادة الابتدائية 25%!! أما المفاجأة الأكبر فإن فئة كبيرة من الأطفال الذين يقع عليهم العنف تصل نسبتهم إلى 66.2% تقل أعمارهم عن عامين، وتتزايد نسبة الأطفال المتعرضين للإيذاء كلما صغرت أعمارهم. وغالباً ما يكون العنف نتيجة صغر سن أحد الوالدين أو تعرضهما للعنف في الصغر أو نتيجة للإدمان على المخدرات أو الفقر مع كثرة أعداد أفراد الأسرة.
إن تكاتف الجهود لإيجاد الحلول الكفيلة بالحد من الإيذاء والعنف وسوء معاملة الأطفال يُعدُّ مطلباً ملحاً.. وإيجاد الدراسات اللازمة للحد من إيذائهم ورعايتهم والاهتمام بهم ومتابعة شؤونهم يعدُّ مراماً للمجتمعات التي تنشد الاستقرار.
ص.ب 260564 الرياض 11342 |