قرأت في جريدة اليوم العدد 577 الصادر في 12-1- 92 في صفحتها الفنية مقالة قصيرة تحت عنوان (صباح الخير) لمحرر الصفحة الزميل جلال أبوزيد تعليقا على حديث الفنان عبدالله محمد في مجلة اليمامة. إذ استبشر بتخلي الفنان عبدالله محمد عن الغناء.. وكأنها احدى تنبؤاته الفلكية.. بينما هي في الحقيقة عامل طبيعي.. لم يكن عبدالله محمد وحده في انتهاج هذا المبدأ.. وإلا لا تهمنا محمد عبدالوهاب.. وطارق عبدالحكيم.. وكثير من الفنانين باللا مقدرة في الأداء.. خاصة وأن عبدالله محمد نجح كملحن حبذ الانصراف للتلحين لافساح المجال أمام الأصوات الشابة التي لم تعقدها الشيخوخة.. ولا التخصص.
لقد قال جلال.. عبدالله محمد انتهى كمطرب.. راح.. ضاع.. لم تتقدم به السن.. وصحته ممتازة.. وبامكانه أن يغني.. ويغني لعشرين سنة.. ولكن عبدالله محمد على حد قول جلال.. فنان جاهل.. بهرته الشهرة والأضواء.. وتمشى على شوارع بيروت والقاهرة.. وعاش الليل في تلك الأماكن البعيدة..؟! والليل هو مصيبة معظم الفنانين.. الى أن ينتهي المطاف بجلال بنصيحة للناشئين بأن لا تغريهم الاضواء.. وألا يسهروا الليل.. فقط.
وهنا نأتي الى مناقشة موضوع (جلال) لنقول لم ينته عبدالله محمد كمطرب.. خاصة وهو يلحن، فقد يضع لنفسه لحنا يتلاءم وحنجرته التي أرقها قرابة ثلاثين عاما من الفن وأكثر.. عرف خلالها بالأداء المفعم بالانفعال.. (بالمواويل) المشحونة بصدق التعبير..
كان عبدالله محمد الفنان الأمين على الموال.. والتعبير عنه بصورة تشبع فهم السامع.. ولا يحق لنا أن نتهمه بالضياع.. والتلاشي، فلقد قدم ما فيه الكفاية كمطرب..
لا يسعنا إزاء ذلك إلا تقديم أكبر الأوسمة له تقديرا واعجابا.. فلماذا يا جلال.. (الاصطياد في الماء العكر) خاصة وأنت تدرك بأن الصحة والقوة.. ليست عوامل أساسية بالنسبة للغناء..
فهو لن يصارع ولن يزاول رياضة تحتاج الى لياقة بدنية.. وإلا لكان معظم فنانينا غير مؤهلين للغناء.. ولكانوا ضحية ضربة قاضية من قبضة بدين.
ومن الخطأ أن يستغل محرر صلاحيته كسلطة للتسلط على عباد الله.. دونما مبرر مقنع.. ونقد هادف بناء.. وإلا لتحولت الأقلام الى أسلحة فتاكة.. وأصبح النقد لعبة (شيش) تنتصر فيه الأهواء.. وتتربى بها طفيليات الحقد.. وهذا مالا نرجوه.. ولا نبتغيه..!
عزيزي لا نبيح لك هذه الصلاحية.. متى كانت غير متزنة.. ولا نقبل اتهامك للفنان عبدالله محمد بأنه (جاهل) بعد أن تخلى عن الغناء مكتفيا بالتلحين.. علما بأننا لا نتفق مع آراء عبدالله في زملائه الفنانين في حديثه لليمامة.. وكوجهة نظر له نأخذها بمبدأ الاحترام ليس إلا.
ثم ألست معي بأن ما كل ما يفهم لا يقال.. وإلا لاتخمت الصحف بكل ما هب ودب.. الخواطر شيء.. والرسالة والحرف شيء آخر.. الوسيلة شيء.. والغاية شيء آخر.. ولكيلا تكون وسائلنا تنديداً وتشهيراً بخلق الله.. فلتكن الأهداف سليمة.. والحروف بناءة للأفضل.. بأمانة القلم.. وبطهر الحرف.
ولقد اختزلت هذا الموضوع خشية التطرق لأشياء ذكرها جلال كان من الأحرى أن لا تصف على أعمدة الصحيفة كمادة مقروءة يلتهمها القارئ ايمانا منه برسالة الكاتب.. ونزاهته.. أتخلى عن ذكرها حياء.. وخجلاً.. لا سيما لاهتدائها.. وعدم شرعية مثولها بين أعمدة الصحيفة كمادة تعرض على (فترينات) أذهان الفئة الواعية والأجيال المتطلعة الى غد أفضل.. فيصابون بخيبة أمل كبرى.. وهذا ما دفعني لاسدال شعار الصمت على ما تبقى من نقده.. ونصائحه.. تاركا الموضوع لجلال وحده.. ليتأمل ما كتبه.. ومن ثم يعود لمحاسبة نفسه وارضاء ضمير.
المحرر |