بزغ نور الشهر الفضيل الذي أنعم الله به على عباده أجمعين ، فمن وفقه الله لصيامه وقيامه فقد فاز ، والفوز الأكبر لمن أدرك ليلة القدر وأحياها ، وقد امتاز هذا الشهر عن غيره من الشهور لأن المولى جعله شهر العبادة والتقرب إليه بالطاعات والنوافل ، فيستحب في هذا الشهر الفضيل الإكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه ، فهو كلام الله المبين الذي جعله المولى شفاء للصدور والأبدان { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا } ، وهو المعجزة الخالدة التي تحدى بها خلقه من الثقلين ، وقد احتوى بين دفتيه كل ما يهم المرء { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } ، فمن استمسك به نال السعادة والبركة في الدارين ، ومن هجره كان ممن حظه الخسران المبين { وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ } ، فهذا الشهر المبارك يجب أن يكون حالنا فيه مع القرآن الكريم أفضل ممن سواه ، فهو الشهر الذي أنزل فيه الذكر الحكيم { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } وقد كان السلف الصالح رضوان الله عليهم يكثرون من قراءة القرآن في هذا الشهر الفضيل مقتدين بسيد هذه الأمة صلوات ربي وسلامه عليه ، فمنهم من كان يختمه كل ثلاث ليال والبعض في كل سبع ليال ، أما في العشر الأواخر فكانوا يختمونه كل ليلة ، وقد كانوا رضوان الله عليهم يفعلون ذلك تلذذا بالطاعة ، فهذا حال السلف الصالح مع الذكر الحكيم في شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، فكيف برسول هذه الأمة صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن .. الحديث) وقد استدل من هذا الحديث فضل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان المبارك ، وأفضل وقت يتلى فيه آناء الليل لخلو القلب من شواغل الحياة { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } اللهم بلغنا ختم كتابك في هذا الشهر الفضيل ، وأمن علينا بصيامه وقيامه إنك على كل شيء قدير .. ومن أصدق من الله قيلا { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ }.
|