Friday 15th October,200411705العددالجمعة 1 ,رمضان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

أغمض عينيه الدامعتين وأخفاهما بكفه الذي اتكأ عليه، وطأطأ برأسه الذي أثقلته الهموم، وكأنه خجل من النجوم والقمر وهو يطل من شرفته على الحديقة وأزهارها التي أنهكها الوقوف طيلة النهار فبدأت تتمايل وكأنها طفلة يداعبها النوم وكأنما النجوم دموع لهذا القمر الذي يساهره وطالما استمع إلى أنينه الذي لا يظهر إلا في وحدته وزفراته التي لا يبثها إلا خلياً من الناس.. وبعد أن هدأ النشيج في صدره المتحشرج بالآهات وجدت الكلمات مخرجاً لها لتناجي ذلك القمر الساهر والأزهار المتمايلة، فقال: أنا نخلة منفردة في فضاء فسيح لا شيء يحميها من هيجان الريح طالما نشرت ظلالها على من حولها وألقت بثمارها عليهم، واستندوا إلى جذعها وقت قوته، سلبوا مني بعض سعفي لاحتياجاتهم المتنوعة وأطفأوا لهيب ظمأهم من ساقيتي التي أجريت لي.. وبعد أن وهنت قوتي وانحنى جذعي وتضاءل ظلي هجروني بجفاء وأوقفوا عني الماء، وكأنهم يستعجلون سقوطي ويريدون اجتثاثي.. وها أنا ذا أرزح تحت أغلال ثمانين عاماً، وأنا في ذعر من نفسي وهلع ممن حولي بعد أن واريت شريكة حياتي تحت الثرى، مرت بي سنوات عجاف، فقدت فيها الأنيس وتباعد عني الجليس وتمثلت هماً لمن حولي وإن كنت لا أعييهم بالنداء ولا أثقل عليهم بالطلب.. فالطعام يكفيني منه لقيمات يقمن صلبي المتهالك دون شرط من نوع أو وقت.. وعند النوم ألقي بجسدي المتهاوي في أي بقعة من تلك الغرفة الموحشة دون حاجة إلى عون وهكذا سائر أموري.. ومع هذا كله فقد ضجروا بي وسئموا مني واتفقوا على الخلاص مني.. فأودعوني غرفة من غرف دار الرعاية للمسنين وكأنهم يقولون لي امكث هنا في تلك الصفوف البائسة التي تنتظر الموت الحزين.. في زمن الغربة الذي يصلب الفرج في عيني ويتموج في آهاتي ويثير الزبد في دمي زمن الجرح الذي لا ينضب تولد ميتة فيه كل عبارات الرجاء التي أطلقتها عيناي لأبنائي وتجهض الآمال التي علقتها عليهم وتضيع الأماني في دهاليز العقوق ويبقى الهم المتفجر في قلبي ينادي بعضه بعضاً في زمن العار الأسود، وأنا أحدث كيف يكون الحزن ولا من يسمع.. إن لي أبناء أربعة كلهم قادر على رعايتي في شيخوختي وكفالتي في ضعفي غير أن كلاً منهم امتطى صهوة هواه وأطاع زوجته للخلاص مني وتركوني أتجرع الأسى وأشرق بدموعي الحرَّى.. غير أن الأمل لا يزال يحدوني بك أنت.. أنت يا ابني الأكبر.. أن تأخذ بيدي الراعشة وتسند جسدي الواهن وتوقف نزف الأسى في قلبي الدامي وتعيدني إلى غرفتي وإن كانت موحشة فهي أرحم عندي من البعد عنها لأنني خجلت من نفسي أن يكون لي أبناء لا يسألون عني ولأني أريد أن أطمئن على سعادتكم وإن كان في ذلك شقائي.. هي غرفة واحدة من بيت أملكه كله فلم تبخل بها علي.. هي لقيمات من خير وفرته لكم إبان قوتي.. فلم تمنعها عني.. هي كلمات علمتك إياها صغيرا فجد علي باثنتين منها فقط صباح الخير.. ومساء الخير.. يا.. أبي!! فإياك إياك أن تبخل علي باليسير من كثير أعطيتك إياه.. فتغضبني وتغضب الإله.. أما غضبي فأنا كفيل بأني سأدفعه عنك وأعفو.. وأما غضب الجبار فأمر لا أملكه وأخشى عليكم منه. فهل يطول انتظاري لك يا بني.. هل يطول؟؟!! هذه الصورة المؤلمة رأيتها من خلال عملي في مجال الشؤون الاجتماعية فهل يكون للبعض من الأبناء عذر في التخلي عن آبائهم.. هل يكون؟؟ أغمض عينيه الدامعتين وأخفاهما بكفه الذي اتكأ عليه، وطأطأ برأسه الذي أثقلته الهموم، وكأنه خجل من النجوم والقمر وهو يطل من شرفته على الحديقة وأزهارها التي أنهكها الوقوف طيلة النهار فبدأت تتمايل وكأنها طفلة يداعبها النوم وكأنما النجوم دموع لهذا القمر الذي يساهره وطالما استمع إلى أنينه الذي لا يظهر إلا في وحدته وزفراته التي لا يبثها إلا خلياً من الناس.. وبعد أن هدأ النشيج في صدره المتحشرج بالآهات وجدت الكلمات مخرجاً لها لتناجي ذلك القمر الساهر والأزهار المتمايلة، فقال: أنا نخلة منفردة في فضاء فسيح لا شيء يحميها من هيجان الريح طالما نشرت ظلالها على من حولها وألقت بثمارها عليهم، واستندوا إلى جذعها وقت قوته، سلبوا مني بعض سعفي لاحتياجاتهم المتنوعة وأطفأوا لهيب ظمأهم من ساقيتي التي أجريت لي.. وبعد أن وهنت قوتي وانحنى جذعي وتضاءل ظلي هجروني بجفاء وأوقفوا عني الماء، وكأنهم يستعجلون سقوطي ويريدون اجتثاثي.. وها أنا ذا أرزح تحت أغلال ثمانين عاماً، وأنا في ذعر من نفسي وهلع ممن حولي بعد أن واريت شريكة حياتي تحت الثرى، مرت بي سنوات عجاف، فقدت فيها الأنيس وتباعد عني الجليس وتمثلت هماً لمن حولي وإن كنت لا أعييهم بالنداء ولا أثقل عليهم بالطلب.. فالطعام يكفيني منه لقيمات يقمن صلبي المتهالك دون شرط من نوع أو وقت.. وعند النوم ألقي بجسدي المتهاوي في أي بقعة من تلك الغرفة الموحشة دون حاجة إلى عون وهكذا سائر أموري.. ومع هذا كله فقد ضجروا بي وسئموا مني واتفقوا على الخلاص مني.. فأودعوني غرفة من غرف دار الرعاية للمسنين وكأنهم يقولون لي امكث هنا في تلك الصفوف البائسة التي تنتظر الموت الحزين.. في زمن الغربة الذي يصلب الفرج في عيني ويتموج في آهاتي ويثير الزبد في دمي زمن الجرح الذي لا ينضب تولد ميتة فيه كل عبارات الرجاء التي أطلقتها عيناي لأبنائي وتجهض الآمال التي علقتها عليهم وتضيع الأماني في دهاليز العقوق ويبقى الهم المتفجر في قلبي ينادي بعضه بعضاً في زمن العار الأسود، وأنا أحدث كيف يكون الحزن ولا من يسمع.. إن لي أبناء أربعة كلهم قادر على رعايتي في شيخوختي وكفالتي في ضعفي غير أن كلاً منهم امتطى صهوة هواه وأطاع زوجته للخلاص مني وتركوني أتجرع الأسى وأشرق بدموعي الحرَّى.. غير أن الأمل لا يزال يحدوني بك أنت.. أنت يا ابني الأكبر.. أن تأخذ بيدي الراعشة وتسند جسدي الواهن وتوقف نزف الأسى في قلبي الدامي وتعيدني إلى غرفتي وإن كانت موحشة فهي أرحم عندي من البعد عنها لأنني خجلت من نفسي أن يكون لي أبناء لا يسألون عني ولأني أريد أن أطمئن على سعادتكم وإن كان في ذلك شقائي.. هي غرفة واحدة من بيت أملكه كله فلم تبخل بها علي.. هي لقيمات من خير وفرته لكم إبان قوتي.. فلم تمنعها عني.. هي كلمات علمتك إياها صغيرا فجد علي باثنتين منها فقط صباح الخير.. ومساء الخير.. يا.. أبي!! فإياك إياك أن تبخل علي باليسير من كثير أعطيتك إياه.. فتغضبني وتغضب الإله.. أما غضبي فأنا كفيل بأني سأدفعه عنك وأعفو.. وأما غضب الجبار فأمر لا أملكه وأخشى عليكم منه. فهل يطول انتظاري لك يا بني.. هل يطول؟؟!! هذه الصورة المؤلمة رأيتها من خلال عملي في مجال الشؤون الاجتماعية فهل يكون للبعض من الأبناء عذر في التخلي عن آبائهم.. هل يكون؟؟
وكان شعاره ومقولته المشهورة - ما يقطع الراس إلا الذي ركبه - وإذا تدخل في أمر من الأمور تابعه لدى المسؤولين إلى أن ينتهي بالشكل الذي يريده بقوة حجته ومقالته المؤثرة. نسأل الله أن يغفر له ويتجاوز عن زلات لسانه ، ومن خصاله الأخرى محبته وإعجابه الشديد بالرجال من ذوي الشجاعة والرجولة يحفظ قصصهم واشعارهم .

نقطة في صفحة اليوم الوطني
عبد الرحمن بن عبد الكريم المفرج -نائب رئيس النادي الأدبي بمنطقة الجوف


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved