من الأهمية أن يضع المرء لنفسه آلية يعمل من خلالها في هذا الشهر المبارك، وهذه الآلية من الأهمية أن تكون متوازنة، فيها كافة الجوانب الروحية والنفسية والبدنية والأسرية والعملية، وهي غير عملية ولا مفيدة إذا أهملت أيا من هذه الجوانب، فكل جانب له أهميته وله مساحته التي لابد من شغلها به ولابد من استثماره، فالتوازن والعدل من أبجديات الحياة ولوازمها لدينا نحن المسلمين، فقد وجه صلى الله عليه وسلم المسلم ان يعطي للنفس حقها وللزوجة حقها وللجسد حقه، بل لكل ذي حق حقه، وهذه الحقوق وغيرها من الحقوق لها ضوابط وحدود لا يبغي بعضها على بعض.. وهذه الوسطية في هذا الدين العظيم تعطي المسلم أفقاً واسعاً وحضوراً فاعلاً في هذه الحياة بكافة جوانبها وحاجياتها.
والحديث عن الوسطية في هذا الشهر المبارك والتي لابد ان تتسم بها هذه الآلية هي الوسطية الحقيقية والتي منها عدم ترك الزوجة والأولاد والسفر عنهم بحجة التفرغ للعبادة في رمضان في مكة او المدينة!!، ومن يفعل ذلك فقد فرط كثيراً، بل كفى به إثما ان يضيع من يعول، كما قال صلى الله عليه وسلم، وبئس الضياع ذلكم الذي يرى صاحبه انه يحسن صنعا وما هو إلا قد أساء صنعا والعياذ بالله.. فرعاية الزوجة والاولاد من الأهمية بمكان، وفي المقابل فللمسلم أن يؤدي العبادة وكافة القربات وهو مع زوجته وأولاده، وبإمكانه أيضاً الحصول على فضل أداء العمرة في رمضان في يوم أو يومين ثم يعود الى أهله!!.
ومن الوسطية أيضاً في هذا الشهر المبارك التواصل مع الناس خصوصاً الأقارب.. فمن الناس من يرى أن هذا الشهر بكامله شهر انقطاع عن الناس والتفرغ للعبادة، مع أن التواصل مع الناس من العبادة ومن القربات الى الله جل وعلا، بل هذا هو دأب الصالحين المصلحين، فكما ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)؛ لذا ليس من الوسطية في هذا الشهر الانقطاع عن الناس.
ومن الوسطية في هذا الشهر ان يترخص المسلم برخص الصيام، فلو كان في سفر فلا يشقن على نفسه بالصيام، وان كانت مسلمة حامل وفي صيامها ضرر عليها وعلى حملها فلها الرخصة ان تفطر، وكذلك المرضعة الى آخر ذلك من الرخص، فمن الناس من يشق على نفسه الى درجة يلحقه الضرر، والله جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه كما ورد.
هذه ثلاث صور رغبت في الحديث عنها في هذه العجالة، وإلا فالصور التي تشيع في هذا الشهر وهي تنافي الوسطية متعددة ومختلفة!!.
|