* الإشكالية وفرضية المقال:
إشكالية وفرضية المقال تجيب على السؤال التالي: كيف الطريق الى تأسيس قوى متوازنة للعمل والاستثمار تحقق عدة مزايا اجتماعية واقتصادية وأمنية وسياسية أهمها خلق الفرص الوظيفية للكوادر الوطنية دون الإخلال باطراد القنوات الاستثمارية، مما يحقق النمو الاقتصادي واستمرارية التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
* المقدمة:
في عام 1418هـ صدر لى كتاب بمسمى (إستراتيجية التربية والتعليم.. التعليم والعمل) احتوى على 44 توصية عالجت التعليم من منظور مقاربة العمل.
وفي العام الماضي كتبت لإحدى الصحف السعودية مقالاً حول رؤيتي لتوطين الوظائف وانضباط الشباب في آن معاً.
وقسمت المعالجة وفق التقسيم الإداري المتضمن ثلاث عشرة منطقة، واقترحت تأسيس مركز تأهيل مهني وتقني وتدريب عسكري في كل منطقة وفق استراتيجية متكاملة وقابلة للنمو والتطوير، من وجهة نظر خاصة.. ولكن الجريدة، التي ظننت انها بعيدة عن الشللية، لم تنشر المقال، كما لم تنشر مقالات سابقة؛ لأن آذان التحرير في هذه الجريدة لم تتعود على اسم كاتب المقال.
* نظرية وفلسفة المقال:
هناك خلط في فلسفة توطين العمل كما هو الخلط بين توطين الشغل وبين التستر وبين التخلف وبين جلب الاستثمار الاجنبي.. وان كان كل منها يتأثر ويؤثر في الآخر.
كما ان هناك مباعدة فلسفية بين فلسفة توطين الوظائف وبين فلسفة جلب الاستثمار الاجنبي، مما يستدعي ان تكون هناك خطة مستقبلية على المدى الطويل، لكل من توطين الوظائف والتستر والتخلف وجلب الاستثمار الاجنبي كل على حدة، هذه الخطط لابد ان تنظمها استراتيجيات مستقبلية تأخذ بحسبانها كل الابعاد الممكنة، لانجاز عمل متقن يتوخى فيه النجاح في تحقيق الأهداف.
* رؤية خاصة نحو علاج الظاهرة:
لعلى أجسد رؤيتي الخاصة بتوطين الوظائف على هذه الورقة تاركاً التستر والتخلف واستجلاب الاستثمار الاجنبي لاجتهادات أخرى، ارجو لها التوفيق.
* أولاً: كثر الاجتهاد، في توطين الوظائف، الذي ينقض اجتهادا سابقا له او ان الاجتهاد السابق يظلل مسار الاجتهاد اللاحق له، ويوجه وجهة غير سليمة حتى اتسمت معالجة توطين الوظائف بالارتباك والانتقال من رؤية الى رؤية مخالفة تماماً، مما يبقي توطين العمل في (محلك سر) ومحلك سر يعني الرجوع يوما بعد يوم.
ثانياً: توطين الوظائف المحققة للتنمية المستدامة لا يعني خلو المجتمع من العامل غير الوطني، وإلا اصبح مجتمعاً منغلقاً، والانغلاق يؤدي الى التخلف ثم الموت لاسمح الله.
المانيا بعد الحرب العالمية احتاجت للعمالة الاجنبية ولكنها دمجتهم في المجتمع الالماني بضوابط، حيث اصبحوا من قوى السوق واصبح مواليدهم المانا ثقافيا واجتماعياً، على عكس اندونيسيا حيث سببت الهجرة الصينية الاستحواذ على الاقتصاد الوطني الاندونسي مما ادى الى اضرابات وتغير حكومات.
محاربة العمالة الوافدة على كافة التخصصات ظاهرة كادت تختص بها الدول العربية رغم ان الكثير منهم تنتهج سياساتهم الرسمية تصدير العمالة.
والجدير ذكره ان نلفت نظر المتابع للشأن التنموي في المملكة، ونظر القارئ الكريم الى انه لابد ان تتحرك آليات توجيه الرأي العام لإحداث الوعي بين اوساط الشباب بأن الشهادة لا تضمن الوظيفة وان التابعية السعودية لا تعني الصك الشرعي للحصول على الوظيفة وإلا تحولت مؤسسات الدولة الرسمية والقطاع الخاص الى ضمان اجتماعي، وتحول القادرون على العمل من السعوديين لغير القادرين على العمل، مما يؤدي بالتالي الى تدني الانتاجية المفضية الى البطالة، وهذا لا يعفي المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص في المجتمع السعودي ان تكون الشهادة مؤشرا على تنمية المهارات والوعي للواجبات الوظيفية المنتجة، وان تكون التابعية (البلدوزر) الذي يمهد الطريق لطالبي العمل من السعوديين حيث يسلكه طالب العمل وفق امكاناته وقدراته المنتجة وفق امكانات فرص المجتمع، ولكن السؤال المهم: كيف ينفتح المجتمع على الآخر في السوق ومتى ينغلق على الآخر في سوق العمل؟
السوق الاوروبي والامريكي رغم وجود البطالة في مجتمعاتهم لم ينغلقوا على انفسهم.. الولايات المتحدة الامريكية (52 ولاية أي دولة) كان حصول الاجنبي على الشهادة الجامعية، حتى 11 سبتمبر، يكفي لحصوله على التأشيرة ومن ثم الكرين كارت.
في جامعات امريكا ومؤسسات القطاع الخاص كثير من العرب يسلمون وظائف قيادية رغم انهم يأتون في الدرجة الثانية من حيث التفضيل بعد الجنسيات الأخرى.
الموازنة بين استحقاق المواطن للوظيفة واستثمار الاجنبي لتحقيق العائد الوطني المجزي، الذي يوفر الفرص الوظيفية للوطن معادلة صعبة جداً وتحتاج الى تكاتف الجهود الوطنية الرسمية والقطاع الخاص مع مراكز البحث العلمي والاستطلاع والمسوح الاجتماعية.
استراتيجية توطين العمل تتطلب عدة مقاربات ومحددات معيارية، لابد ان تستثمر فيها مراكز البحوث من حيث اغناء الخطط في البحث النظري والأبعاد الفلسفية والاخلاقية للشغل من منظورها الوطني والاقتصادي.. كما تسهم فيها الانظمة الحكومية والقضائية ويتم فيها استطلاع رأي العامل ورب العمل ويستخدم فيها قياس الاتجاهات لهذين البعدين اللذين هما محور الارتكاز في نظرية العمل.
وكذلك يتم فيها استطلاع واستخدام قياس الاتجاهات للأبعاد الاقتصادية والتنموية من وراء توطين الوظائف والأبعاد الاجتماعية والامنية كما يستخدم منحنى العرض والطب والقياس العلمي لتأثير وتأثر كل الابعاد الاستراتيجية.
ثالثاً: توطين الوظائف لا يعالج مشكلة البطالة 100% ولا حتى 50% وان كان احد العوامل الرئيسة في حل مشكلة البطالة.
العامل المهم في القضاء على ظاهرة البطالة هو خلق الفرص الوظيفية في المجتمع.. هناك عدة عوامل تساهم في خلق الفرص الوظيفية:
أ- الانفاق العام وقدرته على ضخ السيولة في القنوات الاقتصادية والتنموية والرفاه الاجتماعي للمجتمع (نظرية ميكانزي).
ب- المهارة والاتقان في اداء البيروقراطية ومحاربة الفساد والمحاباه، والحد من ظاهرة الواسطة.
ت- القضاء على الروتين وسرعة الحصول على التراخيص والمرونة في الانظمة والقوانين التي تعالج العامل ورب العمل والعمل.
ث- الاستفادة القصوى من القوى العاملة والمحافظ الاستثمارية غير الوطنية من حيث خلق فرص وظيفية من خلال فتح قنوات استثمارية للمقيم بتشجيعه على بقاء الدخل يعوم داخل الوطن حيث يبقى الريال السعودي داخل الوطن السعودي.
رابعا: الاستفادة من التجارب الناجحة في توطين الوظائف محلياً واقليميا وعالمياً، فهناك من الشركات والمؤسسات المحلية التي كان لها سبق الشرف في توطين الوظائف الناجح مع الاستفادة من الخبرات الاجنبية مثل شركة ارامكو والخطوط السعودية وسابك والمصانع الحربية وغيرها.
خامساً: مشاركة الغرف التجارية والصناعية في المملكة من خلال التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحي وتأمين الوسائل الترفيهية والسكن لكل العاملين في المؤسسات المشتركة في الغرف التجارية والصناعية التي لا تستطيع ان تقدم مثل هذه المزايا للعاملين فيها.
سادساً: تشريع قوانين فعالة تضبط العلاقة بين العامل ورب العمل والمساهم والمستثمر الوطني وغير الوطني، تحقق ضمان الوظيفة واستمرار العمل المنتج.
سابعاً: العمل على ايجاد لجان تحكيم ودوائر قضائية عمالية، تعطى صلاحيات واسعة وعليها رقابة فعالة تحثهم على سرعة البت في قضايا العمل والعمال في زمن محدد.
والخاتمة: إن المقيمين من عمالة بشتى انواع التخصصات، اذا استبعدت العمالة الرثة والمتسولة، ودمجت في المجتمع وفق خطة عملية تراعى فيها الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والامنية، كان مأمولا منها الاندماج الثقافي والعائد الاقتصادي والحد من الخطورة الامنية والجنائية، أو على الاقل، اقل ضررا وخطورة من وافدين لا يتمتعون بالاستقرار النفسي والعائلي الذي يساعد على الاندماج الاجتماعي وعلى الصرف والاستثمار داخل البلد الذي يمنحهم الاجور ويتحمل اعباءهم الامنية والجنائية والصحية والخدماتية.
إنني اقصد خطة استراتيجية تستدعي خلق آليات للسوق والثقافة تؤهل الوافدين لتحول من مسببات قوية للبطالة الى باعث قوي لخلق فرص وظيفية واستثمارية وتدريبية تصبح في المحصلة آليات فاعلة تدعوها مصلحتها في البحث عن طالب العمل الوطني (حتى بالمنقاش).. كما تؤهل الوافدين للتحول من شعورهم بعقدة الاجنبي الى شعورهم بأنهم الساعد اليمنى للمواطن.
ان القوى البشرية الوافدة اذا عولجت المعالجة المقصودة بتلك المقالة نتوخى منها مشاركة القطاع الخاص الوطني على وفرة فرص وظيفية واستثمارية ومشاركة المجتمع اجتماعياً وامنيا وسياسيا.. وما توفيقي الا بالله.
( * ) رئيس مركز ساس الوطني لاستطلاع الرأي العام والاستشارات الاجتماعية والادارية |