* دمشق -الجزيرة: عبد الكريم العفنان
منذ أكثر من اربع سنوات والحديث عن مسألة الجبهة الوطنية التقدمية في سورية يحتل مساحة من النقاش السياسي، فالتشريعات السورية مع بداية الإصلاح أتاحت لأحزاب الجبهة مساحة جديدة للعمل عبر إصدار المطبوعات وافتتاح مكاتب رسمية.
لكن عمل الجبهة وأداءها السياسي بقي محط تساؤلات، على الأخص ان بعض أحزابها شهد أزمات متلاحقة، جعلت من الانشقاقات حلا أضاف للجبهة أحزابا جديدة، لكنه لم يغير من المضمون السياسي لها.
والتعديلات الأخيرة التي أدخلت على ميثاق الجبهة لم تغلق باب التكهنات حول طبيعة التطوير في الأداء السياسي لمؤسسات الدولة. فالجبهة تعتبر أعلى قيادة سياسية في البلاد، وما تم تعديله لم يكن جذريا ولم يقدم جديدا على صعيد الحياة السياسية السورية، لكنه أبقى احتمالات التطوير مفتوحة.
لكن التعديل بحد ذاته أغلق ولو لفترة التكهنات الكثيرة التي تحدثت عن قانون أحزاب سوري. التعديل في ميثاق الجبهة كما تم تداوله في أجهزة الإعلام يعطي مؤشرا على أنه شأن إجرائي، يسعى لتقديم صورة سياسية لسورية في تعاملها مع المسائل الإقليمية أكثر من كونه تعديلاً يطال الوضع الداخلي السوري. فهو قدم أرضية لمسألة السلام التي استمرت على مدى عشر سنوات دون ان يكون لها سند سياسي داخل الجبهة كأعلى سلطة سياسية، وبهذه الصورة فإن مسألة السلام أخذت اليوم بعدا داخل السياسة السورية الداخلية، وهو ما يرتب أيضا تبدلا في الخطاب السياسي على الأقل لأحزاب الجبهة.
الأمر الآخر الذي طاله التعديل هو ما يرتبط بالاتحاد السوفياتي السابق، رغم ان السياسة السورية على الصعيد الاقتصادي عمدت إلى إحداث تبدلات نوعية، بينما شقت السياسة الخارجية طريقا هاما سواء عبر العلاقات مع الاتحاد الأوروبي أو مع جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. رغم ذلك فإن تعديل ميثاق الجبهة يحمل مؤشرات ربما لا تظهر على مساحات الإعلام الذي ترقب تعديلات جذرية على الميثاق:
- المؤشر الأول أن هذا التعديل جاء بعد أربع سنوات من إطلاق العديد من التصريحات، الرسمية وغير الرسمية، حول ضرورة تعديل ميثاق الجبهة. وبما أن التعديل جاء اليوم فإنه سيفتح الباب لمرحلة جديدة من النقاش السياسي حول نفس الموضوع. ويذكر هذا التعديل بالبداية التي سارت عليها السياسة السورية بشأن الإصلاح السياسي، مما يعني أن الأمر ربما لن يبقى ضمن إطار بعض الأمور الإجرائية.
- المؤشر الثاني أن التعديل يمكن اعتباره الخطوة الأولى في مجال الإصلاح السياسي، بعد أن كثرت التحليلات حول أولويات الإصلاح. ولا يمكن التقليل من الأهمية التي يطرحها موضوع التطرق إلى السلام في التعديل. لأن هذا الموضوع يشكل مستندا هام لآليات السلام، وهو جوهري داخل السياسة السورية.
- توقيت التعديل يحمل أيضا مؤشرا على أن السياسة السورية بصدد مراجعة شاملة، وذلك قبل المؤتمر العام لحزب البعث. كما انه ترافق مع الحوارات الداخلية للحزب حول تطوير أدائه وآلياته. عمليا فإن القراءة الموضوعية للتعديل لا يمكن ان تتم اليوم، لأن الأمر يتعلق بخطوة أساسية خاضتها القيادة السياسية في سورية، وبالطبع فإن نتائجها لا يمكن حصرها ببعض التصريحات، أو بالشكل المباشر لما توحيه التعديلات، فالشأن الأساسي والهام أن دمشق تنظر اليوم للمؤسسات السياسية بشكل جديد، وتمتلك رغبة لتطوير أداء وآليات هذه المؤسسات.
|