خلال الأيام القادمة سوف تدخل بلادنا وفي إطار سعيها المستمر للتطوير تجربة جديدة هي الانتخابات البلدية فلقد جاء قرار مجلس الوزراء باستحداث انتخابات بلدية في المملكة لاختيار نصف أعضاء المجالس البلدية التي نص عليه نظام البلديات في إطار التطور السياسي والتنظيمي الذي تشهده المملكة والذي من شأنه تقدم المستوى الإداري وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية، ففي سنة 1412هـ تم تطوير نظام مجلس الوزراء وأصبح للوزير مدة معينة هي أربع سنوات يقضيها في منصبه مع جواز تمديدها لمدة مماثلة إذا رأت القيادة الحكيمة أن استمرار الوزير في منصبه يخدم المصلحة العامة كما تم في نفس السنة استحداث مجلس الشورى من (60) عضواً في البداية ثم من (90) عضواً إلى أن أصبح عدد أعضائه (120) عضواً كما تم أيضاً إصدار نظام للمناطق تم فيه تحديد عدد مناطق المملكة ومسمياتها والمحافظات المرتبطة بكل منها كما نص على إنشاء مجلس في كل منطقة يرأسه أميرها يختص بدراسة شؤون المنطقة والتخطيط لها.
كما تم في سنة 1420هـ استحداث لجنة وزارية بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله وصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد حفظه الله وبرئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء حفظه الله والتي تهدف إلى دراسة إعادة هيكلة أجهزة الدولة وأنظمتها الإدارية والمالية والتي ظهرت نتائجها ومنها ما تم في التشكيل الوزاري الذي تم في بداية العام الهجري 1424هـ.
كما أن قرار الانتخابات البلدية يأتي تمشياً مع ما ورد في خطاب خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله عند افتتاح أعمال السنة الثالثة من الدورة الثالثة لمجلس الشورى والمتضمن التوجيه بتوسيع نطاق المشاركة الشعبية والتأكيد على استمرار الدولة في طريق الإصلاح السياسي والإداري ومراجعة الأنظمة وتفعيل الرقابة على الأداء الحكومي.
إن نهج الإصلاح السياسي والإداري الذي يتسم بالتأني وتعدد المراحل هو الأقرب للثبات والنجاح فالتطور الإداري أو المشاركة الشعبية لا يمكن أن يوجدان فجأة وبدون أية مقدمات ذلك أن من شأن هذين الأمرين مراعاة العديد من الجوانب المحلية سواء كانت بيئية أو اجتماعية أو اقتصادية ونحو ذلك وهذا أمر يحتاج إلى المزيد من الوقت لكي يأتي الإصلاح السياسي أو الإداري وهو يتمشى مع ظروف ومتطلبات المجتمع، ولنا في كتاب الله ( القرآن الكريم) أسوة حسنة فقد كان المولى عز وجل بقدرته العظيمة وعلمه القديم بالسابق واللاحق قادر على أن ينزل القرآن دفعة واحدة ولكن رحمة من الله بخلقه وعلمه بظروفهم تتطلب أن يكون تنزيل القرآن على دفعات حتى تكون فائدته أكبر ومعالجته لشؤون المجتمع أبلغ
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا}.
إن الشورى في الإسلام التي أمر الله بها ولاة الأمر في أي بلد إسلامي لا تتطلب شكلاً معيناً ولا أسلوباً محدداً فالعبرة بالأفعال وليس بالمظاهر والأشكال فقد يكون أسلوب الشورى عن طريق الاختيار أفضل بكثير من الشورى عن طريق الانتخاب وذلك بسبب الظروف والمصالح الشخصية التي تصاحب في الغالب عملية الانتخاب وبالذات عندما تتضمن عملية الشورى بالاختيار أو التعيين ما تتميز به الشورى المعاصرة وهو الاقتراح وتعدد الآراء والتصويت أو الاقتراع وهي مميزات موجودة في نظام الشورى في بلادنا فيكون بذلك قد جمع بين الحسنيين وهما حسن اختيار عضو المجلس والأخذ بمميزات الشورى المعاصرة مما يعطيه بعداً أكبر ونجاحاً أكثر ولذلك فإن ما تم إقراره من إجراء انتخابات جزئية لأعضاء المجالس البلدية لا ينقص من فاعلية أسلوب الاختيار بالتعيين وإنما يعد إضافة محمودة ودعما لها، فقادة بلادنا كما قال صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية - وفقه الله - ليسوا هواة تجارب وإنما هدفهم بهذه الخطوة تحقيق رغبات المواطنين لكون المملكة بلغت مرحلة متقدمة من التطور التي تتطلب توسيع مشاركة المواطنين.
هذا وقد قوبلت هذه الخطوة الرائدة بترحيب المواطنين بما فيهم المسؤولين والمثقفين وذلك لمدلولاتها الكبيرة على المستوى السياسي والاجتماعي إضافة إلى أن المجالس البلدية هي التي ستحدد احتياجات المدن من المرافق والخدمات كما أنها ستراقب تصرفات أمناء المدن ورؤساء البلديات وسوف تغير ثقافة المجتمع من خلال مشاركة المواطنين في إدارة مدنهم وقراهم كما أن ذلك سوف يساعد البلديات على إبراز دورها كما أنه سيكون له أثر إيجابي في المجال الاقتصادي للبلديات لكون هذه الخطوة سوف تساعد على تقدم مستوى الإدارة والإنتاج بها.
|