هناك خط من خطوط الموضة في الولايات المتحدة يسمى (Americana)، وهو خط يوظف جميع الرموز الأمريكية على الملابس والحقائب والإكسسوارات، فيظهر العلم الأمريكي بنجومه وخطوطه الحمراء والزرقاء إضافة إلى النسر الأصلع، وقبعة الكاوبوي، وبنطاله الجلدي الواسع، هذه الرموز أصبحت تداخل خطوط الموضة الأمريكية بوضوح وترسخت بعد أحداث سبتمبر، وكأنه اعتداد بالهوية المهددة وصيحة تضامن خفية يعلنها الشعب في وجه أي اعتداء خارجي، لا سيما وأن الشعب الأمريكي يشعر دوماً بقلق اتجاه هويته الوطنية نظراً لقصرها الزمني مقارنة بشعوب العالم، ومن المعروف أنه في أوقات الأزمات يرتفع الحس الوطني إلى أقصاه، وتقترب الرموز الوطنية من المقدسات نظراً لارتباطها بمعنى الوطن، كمكان له حدود واضحة وأحلام موحدة، وأهم من هذا كله له هوية وطنية مميزة دون شعوب الأرض.
ومن هنا تحديداً تبزغ أبرز الإشكاليات التي تواجه علاقتنا بالهوية الوطنية، فنحن في بداية القرن تعرضنا لمد قومي عربي كاسح متأجج بالشعارات والخطب الملتهبة عن وطن يمتد من المحيط إلى الخليج، وأي صوت يتقاطع مع ذلك التيار كان يتهم بالعمالة والمروق والإقليمية والإمبريالية.. الخ من التهم الجاهزة، وحينما عجز ذلك التيار عن تحقيق برنامج أعماله أو بالتحديد لم يكن هناك برنامج أعمال عدا بعض الخطب الحماسية الإنشائية، ومني بهزيمته الكبرى في (67) حل بدلاً منه تيار آخر وسع رقعة الحلم حتى أقصاه الأكبر، وأدرج فيه جميع الأمة الإسلامية، وأيضاً كان جدول الأعمال عبارة عن أسطر كثيرة من الإنشاء وادعاء بامتلاك الحلول كلها دون أن نرى شيئاً ملموساً على أرض الواقع سوى التفجيرات والدماء والأجساد المصفوفة بعد ذبحها، والهوية الوطنية مغيبة، لا رموز تظهر حدود الوطن، لا احتفال باسمه، بهويته، بحدوده، بيومه الوطني (لأن الجماعة كانوا يرونه مجرد جزء من وطن أكبر).
الوطن يريد أن يستعيد ملامحه، يريد أن يزهو بخصوصيته، بأبطاله برجاله، برموزه الفكرية والثقافية والعلمية والإعلامية، وجميع من يتشارك تحت سقف الوطن ويصنع له مجداً خارجياً وداخلياً، المهم أن نعي وعياً أكيداً راسخاً، حدود الوطن وآماله، والتهديدات المحدقة به، والآمال التي تبرق في المدى... لنبدأ في صنع هوية خاصة، فهي أول القناديل التي من الممكن أن نقدمها لغد الأجيال القادمة.
|