رغم محدودية الموارد الطبيعية والبشرية في العالم النامي الفقير، هناك روايتان متناقضتان في إمكانية قبوله لمتغيرات العولمة وتحديث اقتصاده، ومدى تطبيق ذلك.. رؤية أولى تطالب بتطبيق النقلة النوعية في اقتصاده الإنتاجي وبإحداث حرية تجارية في أحجام تبادلاته الإقليمية كضرورة ملحة لإنجاز تنمية شاملة متوازنة فيه.. ورؤية ثانية تتحفظ على إحداث أي تغيير جزئياً كان أو كلياً ما لم تتضح معالم المفهوم وخفاياه وتفضل التأني قبل الخوض في الأخذ بحذافيرها جملة وتفصيلاً. أسباب التأرجح بين التطبيق والانتظار تتقارب حيناً، وتتباعد حيناً آخر. وهناك تقارب ودعوة إلى سرعة التطبيق خاصة في ظل المعطيات الاقتصادية والاجتماعية العالمية الجيدة، منها على سبيل المثال لا الحصر تحسن الاقتصاد العالمي مقارنة بما كان عليه منذ أكثر من 30 سنة ماضية وإفلاس النظم الاقتصادية الاشتراكية، وانتهاء حقبة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي بهزيمة الأخير. وقد تتباعد الفرص وتهمش الدعوة حين تتعارض المصالح وتشدد الحوارات الحضارية، كما أن ربط العولمة بالأمركة، والنظر إليهما وكأنهما وجهان لعملة واحدة أراد بهما الغرب تسخير موارد العالم النامي وثرواته لتلقيم احتياجاته الإنتاجية وتدعيم اقتصاده الصناعي المتقدم قبل أي شيء آخر، أضعفت فرص قبول العولمة لبعض دول العالم النامي وظهر مؤخراً مدى انقسام المجتمعات حول تبني التغير طالما استمر غياب التعاون بين دول الشمال ودول الجنوب، وطالما فقدت الثقة بينهما، لحد يعتقد فيه أن الفجوة بين الروتين سوف تزيد بعداً واتساعاً. وسوف يشهد العالم مزيداً من التباينات الحضارية، وليس تقارباً اقتصادياً أو حضارياً كما كان يتوقع له ويبدو اليوم أن الاقتصاد العالمي أشبه بساحة أولمبية تجرى عليها سلسلة منفصلة من المنافسات يشترك فيها المنتجون المحليون والدوليون في فرق محترفة متعددة الجنسيات والثقافات والأعراف المختلفة وعلى دول العالم النامي أن تكون قادرة على تغيير استراتيجياتها وهيكلها الاقتصادي ونظرتها للأسواق، لتواكب مناخات عالمية تتسم بتقلبات متواترة وأنماط شتّى في العرض والطلب والاستهلاك. وهي دائمة التغير كثر فيها الثراء في الأساليب التقنية وأصبح التغيير جزءاً من حياة وكينونة عولمة القرن الحالي.
|