يُعد الإعلام بمختلف أنشطته المقروءة والمسموعة والمرئية من الأمور المهمة التي تساعد على إثراء الثقافة ونشر المعرفة، كما تنقل الأنباء والأحداث المحلية والدولية في مختلف الشئون السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، لذا اهتمت الدول اهتماماًَ كبيراً بتنمية وتطوير الإعلام، فوضعت الخطط والبرامج ووفرت الإمكانات المطلوبة من منشآت وأجهزة وآلات وهيئات عاملة.
وتتميز الإذاعة عن غيرها من وسائل الإعلام بالكثير من الخصائص، فهي تنتشر بسهولة نظراً لرخص سعر وصغر حجم أجهزة الاستقبال، مما يمكن الناس من اقتنائها، فهي تنقل كل ما يهم المثقفين وغيرهم، حتى الأميين الذين لا يستطيعون قراءة الصحف والمجلات والكتب فإنهم يتحصلون على المعلومات والمعارف ومعرفة الأنباء والأخبار، بل شجعت الكثير منهم على تنمية قدراتهم وتعلم الكثير من الموضوعات التي تهمهم في أمور الدنيا والآخرة، وفضلاً عن ذلك فإن الإعلام الإذاعي ينتشر بين الناس في المنازل وفي وسائل النقل وأماكن العمل مما يمكنهم من سماع البرامج الإذاعية في كل زمان ومكان، فالبث الإذاعي اخترق الحواجز الطبيعية وأسهم كثيراً في تحقيق التوعية والتوجيه ونشر الثقافة، لأن الإذاعة مهيأة للجميع ذكوراً وإناثاً.. كباراً وصغاراً.. متعلمين وأميين.
لقد ظهرت الإذاعة في المملكة العربية السعودية ثم نمت وتطورت كثيراً، فصارت تحوي ستة برامج متنوعة.. فنجد إذاعات القرآن الكريم ونداء الإسلام والبرنامج العام والبرنامج الثاني والبرنامج الأوروبي.. وهي تذاع على الموجات المتوسطة والقصيرة وموجات إف إم.
إن إذاعة القرآن الكريم التي تبث من الرياض تمد مستمعيها بشتى البرامج الدينية التي تهم وتنفع المسلمين داخل وخارج المملكة، فهي تعد إذاعة إسلامية عالمية، احتلت مكانة عظيمة في قلوب المسلمين في كثير من الدول الإسلامية التي يصل إليها البث الإذاعي، فالمسلم أينما وجد شغوف لسماع القرآن الكريم المجود والمرتل بصوت العديد من المقرئين، فضلاً عن البرامج الدينية المتعلقة بالقرآن وعلومه والأحاديث النبوية وما يطرح من المسائل والقضايا الفقهية والشرعية التي يتولاها نخبة من العلماء والمشايخ للإجابة على الاستفسارات من داخل وخارج المملكة، كما تنقل خطب الجمع وصلاة التراويح من المسجد الحرام والمسجد النبوي إلى جانب اشتراكها في نقل مشاعر الحج كل عام.
وأكثر من ذلك فهي تزود المستمعين بالأنباء المحلية والدولية، وتتميز الإذاعة باتباع أسلوب خاص في بث برامجها المتنوعة كونها تخلو من الموسيقى والأغاني.
إن الفوائد الجليلة لإذاعة القرآن الكريم لا تصل إلى الجميع رغم الجهود المبذولة من أجل أن تشمل مناطق المملكة على مدار الساعة، إلا أن هناك أماكن بعيدة عن المدن كالقرى النائية والهجر البعيدة والطرق البرية يكون فيها البث غير واضح أو متقطع الإرسال، لهذا تدعو الضرورة الى إيجاد السبل التي تتيح للجميع أينما كانوا الاستماع لبرامج إذاعة القرآن الكريم كونها مرغوبة ومطلوبة للكثير من الناس، وهذا قد يسهل تحقيقه في ظل توافر التقنيات العالية التطور والتي انتشرت في الأعوام الأخيرة في كثير من البلدان وطبقت بنجاح لكي يسمع البث الاذاعي بوضوح قوي أينما كانوا.. فإذا أمكن توفير هذه التقنيات الخاصة لهذا الغرض فإن النفع والفائدة من إذاعة القرآن الكريم سيعمان الجميع.
وهنا يمكن طرح مقترح يساعد على انتشارها وهو العمل على توفير الأجهزة من نظام إف إم (FM ) التي تمتاز بخصائص متنوعة مثل صفاء الصوت وقلة التداخل بين المحطات، فضلا عن سهولة التركيب دون الحاجة إلى بناء المنشآت الضخمة ونحو ذلك.. فإن جهاز إف إم يمتاز باستقبال البث الاذاعي بقدرات عالية ليرسلها محلياً في المناطق والأجزاء المراد وضوح الصوت فيها.
إن حكومتنا الرشيدة قد بذلت جهداً كبيراً في نمو وتطوير وسائل الإعلام من خلال وضع الميزانية السنوية المخصصة، ومع ذلك فإنه ينبغي النظر في فتح المجال لدعم وتمويل هذه الإذاعة، إضافة إلى الجهود المبذولة في هذا المجال.
يتم هذا التمويل بتعاون المواطنين لشراء الأجهزة بالاعداد المطلوبة، فالإسهام في دعم وتطوير إذاعة القرآن الكريم يعد كسائر الأنشطة الخيرية التي يقوم بها الناس والتي يمكن أن تكون في صورة وقف وصدقات أو هبات، فإذاعة القرآن الكريم -كما سبق أن أشرنا- تُعد من أهم الوسائل التعليمية لنشر العلم الشرعي من خلال البرامج والمنوعات الدينية التي تفيد المسلمين. فكما جاء في حديث رواه البخاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:(إذا مات بن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). ومن هنا اهتم المسلمون بالعمل الخيري وأصبح من السمات التي يتسم بها المجتمع السعودي، وهي تتمثل في الوقف الخيري والصدقات والهبات والأعمال التطوعية في شتى وجوه البر والخير. من هنا فإن المواطنين سيقبلون على تمويل هذا العمل والمشاركة فيه بقدر استطاعتهم. فالأغنياء قادرون على شراء الأجهزة وتمويل إنتاج البرامج الدينية، كما يمكن لسائر المواطنين المساهمة على قدر طاقاتهم فيما يعد بمثابة صدقات تنفق في وجوه الخير.. فدعم هذه الإذاعة يكون بمثابة من تعلَم القرآن وعلَمه.
وللقطاع الخاص دور كبير في المساهمة في ذلك العمل الخيري، وهذا ما تعودناه من رجال الأعمال السعوديين والموسرين من أبناء هذا الوطن أسوة بما يقومون به في دعم إقامة المساجد والمدارس والمكتبات وأجهزة المستشفيات ونحوها، لذا فالاهتمام بأمور المسلمين بتوعيتهم وتثقيفهم يعد أمراً مهماً خاصة في هذا العصر المليء بشتى وسائل الإعلام المنافسة كالإذاعات الأخرى والفضائيات والشبكة الإلكترونية المليئة بالفتن والمغريات التي تلهي المسلم وتبعده عن أمور دينه. ويعتبر الإعلام الديني خير معين لتحقيق الأهداف الخيرة؛ لذا فدعم إذاعة القرآن الكريم يعد إنجازاً حقيقياً لتقدم وازدهار البث الإذاعي وزيادة انتشاره وتأثيره.
ويتطلب تحقيق هذا المقترح التنظيم الجيد والتفعيل الصحيح لدعم وتمويل إذاعة القرآن الكريم، وذلك بأن تكون هناك إدارة مستقلة تقوم بالاتصال بالناس بشتى الطرق لتعريفهم وحثهم على الدعم في صورة هبات وصدقات أو وقف توضع في حسابات مصرفية توجه لشراء الأجهزة المطلوبة وتمويل البرامج الدينية.. بمعنى أن وجود إدارة مستقلة سيعمل على تنمية الموارد المالية من الوقف والصدقات والهبات وتفعيلها في دعم وتمويل هذه الإذاعة لكي يتسنى للجميع أينما كانوا الاستماع والاستفادة من هذه الإذاعة داخل المملكة وخارجها.
*عضو مجلس الشورى
|