الجدار العازل وبعض المسؤولين
فهد الحوشاني

المدير باجتماع! الكثير منا سمع هذه الجملة الثقيلة وهو يقف امام الابواب المغلقة لبعض المسؤولين الذين لا يطيق احدهم ان يرى مراجعا وربما يصاب بالضيق ويهرع الى تناول المسكنات فيما لو دخل عليه (مواطن) لا يعرفه! المدير باجتماع هي جمله يحفظها الكثير من مديري المكاتب عن ظهر قلب ويبدو انها من مستلزمات ومسوغات الحصول على وظيفة مدير مكتب، فهو لابد ان يثبت كفاءته من خلالها فمتى ما كان لديه القدرة على (التصريف) أي إبعاد أكبر عدد من المراجعين عن باب المسؤول فهذا عز الطلب وعندها يثبت مدير المكتب انه كفوء وقدير ولا يمكن الاستغناء عنه! بل ويستحق ان يصرف له عمل اضافي او انتداب ولانه لا يمكن له ان يترك المكتب بلا (حراسة) فقد يدخل مواطن على المسؤول دون ان يجد من يمنعه! لهذا فهو يكافأ بانتداب لشهر او شهرين يسافر فيها عبر امتار مكتبه! ويرجع ذلك اساسا الى ان هناك فئة من المسؤولين يرون انه ليس من حق المواطن الدخول عليهم الا اذا كانوا يعرفونه او لديه معرفة بشخص يعرفونه!
أعرف جهازا حيويا مهما لقطاع كبير من المجتمع لا يمكن لاي مواطن الدخول اليه لمتابعة معاملاته الا بعد ان يحضر ورقة من مسؤول يعمل في ذلك الجهاز بالسماح له بالدخول! وهذا الاجراء قد سبب تعطل سير المعاملات لصعوبة متابعتها ومناقشة الموظف المسؤول عنها فالدخول عبر الاذن المسبق اذا امكن لقلة من الناس فهو لن يتسنى للكثير منهم.
لقد بدأنا نبني اهراما من الانظمة البيروقراطية تحميها قلاع من المباني الاسمنتية التي لا يمكن القفز من فوق اسوارها! ولهذا يضطر بعض المراجعين الى البحث عن واسطة او انتظار المسؤول عند باب المصلى قبل او بعد صلاة الظهر او عند البوابة بعد نهاية الدوام حاملاً اوراقه (مستجديا) بضع دقائق! المدير باجتماع هذه الجملة اصبحت هي الجدار العازل الذي يفصل بعض المديرين والمسؤولين عن المواطنين وقضاء حاجاتهم، احد الاصدقاء وقد شكا لي معاناته قال: انه ظل ولأسابيع ينتظر مسؤولا وهو (مجتمع) وطوال هذه المدة لم تنته اجتماعاته وظل مدير مكتبه بآلية يقول هذه الكلمة دون يدري انه سبق ان قالها عشرات المرات. إنه لخلل إداري كبير أن يتحول مدير المكتب الى مجرد حارس ليصبح الهدف الاساسي من وظيفته ليس تسهيل مصالح الناس بل مصالح المسؤول من خلال (فلترة) المراجعين والسماح بدخول البعض ورفض آخرين.
المدير باجتماع هذه الكلمة افرغت من محتواها فلم يعد لها أي معنى واصبح قائلها وان كان صادقا ينظر اليه بعين الشك والريبة! كيف يقضي للناس حاجاتهم الا بتمكينهم من الدخول على كل مسؤول لهم حاجة عنده، اما اذا كان مقابلة بعض المسؤولين تحتاج إلى مؤهل المعرفة والتوصية فمصيبة هذا المؤهل ان الحصول عليه لا يتوفر لكل الناس!