Thursday 14th October,200411704العددالخميس 30 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

العرب في فرانكفورت العرب في فرانكفورت
د. فوزية عبدالله أبو خالد

ديباجة خشنة
رغم العنوان الواسع فإن حديثي عن مشاركة الحضور العربي كضيف شرف لهذا العام في معرض فرانكفورت سيكون مركزاً على تلك التظاهرة الثقافية بحد ذاتها وعلى المشاركة السعودية تحديداً فيها لهذا العام ضمن وبجانب الحضور العربي بينما سيكون التناول مختصراً في الحديث عن المشاركة العربية ككل.
وهذا التركيز في جانب والاختصار في جانب يرجع لعدة عوامل ذاتية وموضوعية. ويتعلق العامل الذاتي بدهشتي واعتزازي بالمشاركة السعودية بمعرض فرانكفورت متمثلة في مشاركة عددٍ من المثقفين ووفد من وزارة التعليم العالي ومن جمعية الثقافة والفنون، وإن كان ذلك لا يجردني من الاحتفاظ بحق النقد لبعض جوانب تلك المشاركة. أما الجانب الموضوعي الذي سيحدونني لعدم التوقف طويلاً عند المشاركة العربية ممثلة بالجامعة العربية فله عدة عوامل وعلى رأسها وذلك على سبيل المثال ليس إلا، عدم دقة المعلومات لديّ ولدى معظم من قابلتهم من المشاركين ضمن وفد الجامعة العربية عن طبيعة التنظيم وآلياته وعن معايير المشاركة أو الاستبعاد لعددٍ من المثقفين العرب سواء في ترشيحات الحضور أو في دعوة المشاركة في الفعاليات نفسها من ألفها إلى يائها أكان ذلك بتحديد إن لم نقل (تعيين) من يتحدث عماذا أو فيمن يحضر مراسيم افتتاح المعرض أو يبقى خارجاً يتصعلك في الردهات أو من يُعطى المقاعد الأولى في الاحتفالات المصاحبة للمعرض كحفل الأوبرا أو من لا توفر له تذكرة أو من ينتدب للتحدث إلى القنوات الألمانية والعالمية التلفزيونية والإذاعية والصحافية باسم العرب أو من لا يتحدث. ولم يكن ذلك الغموض والفوضى والانتقائية تقتصر على التعامل مع الأفراد مع الأسف بل كانت تشمل وهذا الأشد مرارة وتمتد لتمس تمثيل عددٍ من الوفود العربية. فبينما كان لبعض أعضاء الوفود وخاصة الموظفين من المنظمين حصة الأسد في الاستئثار بقرارات تمثيل الوفود الأخرى ومثقفيها وتوزيع حظوات المنح أو المنع فيما يخص طبيعة وجود الوفود العربية كانت بعض الوفود الأخرى تبدو وكأن لا حول لها ولا قوة في القرارات التنظيمية الخاصة بالحضور العربي. وباختصار فلم تكن هناك ندية في حقوق المشاركة في التنظيم والترتيبات بين الوفود بعضها البعض. ومع التقدير بأن الحضور العربي كضيف شرف في معرض فرانكفورت يعد ربما أول عمل عربي ثقافي مشترك تقدم عليه الجامعة العربية فلم يكن خافياً حتى على من تحدثت معهم من الألمان خاصة من المشاركين على المستوى التنظيمي من أن كثيراً من عاهات العلاقات العربية العربية على المستوى السياسي قد انتقلت بضيق أفقها وبصراعاتها القطرية إلى المجال الثقافي.
هذا فيما يفترض أن الحضور كضيف شرف في معرض فرانكفورت يأتي تمثيلاً للثقافة العربية ولا يعبر عن تمثيل قطري. مع ملاحظة أنني أتحدث عن الجانب التنظيمي المحض ولا أتحدث عن العلاقات بين المثقفين العرب أنفسهم ببعضهم البعض التي كان أهم ما يميزها ذلك الحنين المبرّح إلى بعضهم والاستعداد للاستماع لبعضهم البعض لدرجة أن بعض الحضور الألمان ومنهم ابنة المستشرق الألماني هانز دايبر وأخرى طالبة جامعية بجامعة جوتة وصحافية اسمها جوليا جيراتش ممن جمعتني بهن المصادفة في صداقات خاطفة عبر حضور أكثر من فعالية قد أجمعن على اندهاشهن بما لاحظنه من علاقة حميمة بين المثقفين العرب. حتى ان إحداهن علقت يبدو وكأنكم نادرا ما تلتقون وإلا كيف تتعانقون بكل هذه الأشواق وكانت تعلق على صيحات الترحاب الحار للقاءات متفرقة بيني وبين الشاعرة العُمانية سعيدة خاطر والشاعرة الإماراتية ميسون صقر والروائيتين العراقيتين علياء ممدوح وبيتول الخضيري والروائية الجزائرية أحلام مستغانمي.
ومما يمكن أن يقال أيضاً عن الحضور العربي انه وخاصة في بعض أوراق العمل الحوارية والفكرية ونظراً ربما لعدم وجود حد أدنى من التنسيق المسبق لم يكن واضحاً لمن شاركوا في إعداد وتقديم أوراق العمل طبيعة الجمهور فمنهم من بدا وكأنه يقدم ورقته إلى طلابه بالجامعة ومنهم من بدا وكأنه يتوجّه إلى جمهور عربي خالص والقليل منهم من بدا أنه يتوجّه بالحديث إلى جمهور عالمي أو ألماني وعلى سبيل المثال عندما تحدثت مع كلٍ من د. رضوى عاشور ود. عبدالوهاب المسيري كل في مشاركته الخاصة من الندوات بدا أنهما كانا من المتحدثين القلائل الذين افترضوا أنهما يتوجهان للجمهور الألماني وليس للجمهور العربي من المثقفين أو المغتربين العرب.
هذا بالإضافة إلى ركاكة الترجمة لبعض الندوات كما حدث مع أستاذ علم الاجتماع الألمانية يولا سشهز بمكتبة فرانكفورت التي اكتشفت من أسئلة الجمهور لها أن المترجم قد نقل عكس كلامها في العديد من مقاطع ندوتها.
وربما انطبقت رداءة الترجمة من العربية إلى الألمانية على مشاركة د. هند الخثيلة عن حقوق المرأة العربية إذ لم تكن الأسئلة تصب في صلب الموضوع الذي تناولته ورقة د. هند. هذا عدا عن غياب ترجمة قراءات شعرية بمجملها. وكذلك قصر الوقت المعطى للطرح كما في ورقة د. أبو بكر باقادر وورقة د. سعاد المانع وورقة الدكتور تركستاني وورقة د. علي النملة وأوراق أخرى على الجانبين العربي والألماني كما حدث مع حليم بركات وبيتر ربكن.
مشاركة المملكة
لم يكن حضور عددٍ من المثقفين السعوديين بمشاركتهم المتعددة الفكرية والإبداعية مدهشاً بل مثير وثري أيضاً ولم تكن تلك الدهشة والإثارة مقتصرة على الحضور الغربي بل على مستوى الحضور العربي. هذا وإن كنا نعتقد وبصدق نهدي الملاحظة للجنة التي قامت مشكورة بالإعداد للمشاركة السعودية بأن التمثيل للأصوات الخارجة من صلابة وصبابات الصحراء نساءً ورجالاً كان يمكن تمثيلها بعددٍ أكبر وبأصواتٍ أكثر تنوعاً وبما يجعل الشباب وأعني من هم دون العشرين والثلاثين امتداداً فعّالاً لهذه المشاركة. وفي هذا الشأن يجدر تذكر مشاركة الصين العام الماضي كضيف شرف على معرض فرانكفورت للكتاب حيث فاجأ الصينيون العالم وليس الحضور الألماني وحسب بأصوات الكُتاب الواعدة من الشباب ما دون العشرين. فأتيحت للجيل الجديد ليس فقط فرصة إيصال أصواتهم إلى العالم بل فرصا للاحتكاك بكبار مثقفي العالم وفرصة أخرى لنشر أعمالهم وترجمتها.
ولا ندري في الوفد السعودي لماذا غاب كثير من الأسماء الإبداعية الشابة وكذلك لاندري لماذا لم تحضر بعض الأسماء الكبيرة والعريقة في مجالي الفكر والإبداع معاً أو حضر بعضها ولم يفعّل حضوره أو يستثمر في إبراز الوجه الثقافي المشرق لنا مثل حضور الأستاذ عابد خزندار الذي كان يستحق احتفاء يليق بسعة ثقافته وبمساهماته على الساحة المحلية والعربية والعالمية في مجال الإنتاج الأدبي والترجمة.
وإن كانت (الاعتذارية) بقول إن الجامعة العربية هي من قامت بترشيح عددٍ محدود من أسماء المشاركين السعوديين لم تكن مقنعة إذ يفترض أن لدينا تمثيلاً سعودياً في اللجنة التي تقوم بالترشيحات وكان لا بد من الإصرار على تمثيل يعبّر عن الزخم الفكري والإبداعي الذي تمثله العديد من الأسماء بالمملكة نساءً ورجالاً. وربما يكون هذا مجالاً للاستدراك مستقبلاً بأن تشمل اللجان المعدة لتمثيلنا الثقافي في الخارج عدداً أكبر وبعضوية النساء والرجال من المطلعين والمتابعين لتاريخ ونبض التموجات في الحركة الثقافية على الساحة المحلية. دون أن يفهم من هذا الكلام التقليل من الجهود التي بُذلت.
أما الجانب المثير الآخر من مشاركة المملكة فهو روح الفريق التي سادت العلاقة بين أعضاء الوفد المشارك من مثقفين ومهتمين ومسئولين. فإذا استثنينا بعض المآخذ التي تمت معالجة الكثير منها بعد المصارحة والشفافية في نقدها وإذا استثنينا التحفظ والانكماش الذي لوح اللقاءات الأولى فقد تميز الحضور السعودي بلحمة المشاركات المكملة لبعضها البعض وبمناخ من البساطة والعمق في العلاقة الأخوية وفي الحرص على حضور الفعاليات وفي مشاركات نشطة في الحوار.
فمن وجود وزير التعليم العالي الأستاذ الدكتور خالد العنقري مع المشاركين ومشاركتهم الحضور والرأي في أكثر من لقاءٍ بالمعرض وتخاطبه الحيوي مع الجمهور والإعلام الألماني إلى مساهمة المشاركين في الندوات والقراءات الإبداعية سرداً وشعراً إلى العروض المميزة التي تميز بها جناح المملكة في خيمة ابن خلدون وخاصة قسم الموروث الشعبي والقسم الخاص بالمدينة المنورة ومكة المكرمة وحرميهما الشريفين. وقد قابلت أكثر من مرة في الحافلة المكوكية shuttle bus خلال تنقلي بين موقع معرضنا للكتب من المعرض العربي في الموقع (6) ومعارض الدول الأخرى العديد من الجنسيات الغربية وسواها ممن كانوا محملين بكتبٍ من المعرض السعودي ومنها بعض تلك الكتب المميزة في طباعتها وإخراجها الصادرة عن مكتبة الملك عبدالعزيز. هذا عدا عن نفاد جميع نسخ القرآن الكريم التي حملها المعرض إلى فرانكفورت.
على أن العرفان بكل تلك الجهود المبذولة بسخاء حاتمي من العمل الدؤوب لإنجاح وجود الكتاب السعودي في معرض فرانكفورت للكتب وفي النشاطات الثقافية المصاحبة من قِبل د. عبدالله المعجل و أ. فهد الرشيد وأحمد الغدير وخالد النامي ورائد الشدي وغيرهم من الجنود المجهولين إلى جانب عددٍ من ممثلي جهات رسمية وأهلية متعددة من المهتمين بصناعة الكتاب وبالمكتبات لم تمنع ظهور بعض الفراغ متمثلاً في غياب عددٍ من كتب الفكر والإبداع للكتّاب السعوديين الصادرة خارج المملكة أو الصادرة بمجهود فردي من أصحابها سواء ما كان منها مترجم إلى اللغة الإنجليزية أو الألمانية أو لغات أخرى أو مما لم بترجم. فقد كان هناك حين كنت أقف على أرضنا بمعرضنا للكتب وقد زينت بهام النخيل من يسأل على سبيل المثال عن كتب الروائي عبدالعزيز المشري رحمه الله وعن بعض كتب الكاتبات والكتّاب الجدد أو المعروفة أسماؤهم عربياً وعالمياً ولم يكن هناك من كتب تمثل تلك الموجات الجديدة من الفكر والأدب بما فيها كتب بعض المشاركين التي لم تعرض ولا حتى عينات منها، بل إن البعض تطوع بكتبه ولم تعرض والعذر أنها لم تطلب منهم إلا في وقت متأخر فضاعت في كراتين الكتب.
شهادة غير مجروحة
أما النجم السعودي باستحقاق في مشاركة معرض الكتاب فقد كان عبدالله عبدالعزيز الجبيلان من قاع عنيزة من سموق القصيم. فقد كان هذا الرجل بلحيته الرمادية بوجهه الخنجري بسمرته المسمارية بثوبه الأبيض وكوته الرمادي وشماغه المحمّل برائحة أم العيال وطيبة قلبها وبيديه المعروقتين المتعودتين على شرف العمل أجمل السفراء العرب في فرانكفورت. كان الرجل ببساطة الآباء.
وبذكاء فطري يجذب كل زوار خيمة ابن خلدون من الغربيين والعرب وهو تارة منحنٍ على الجلد يقوم بفنون الخرازة وأخرى يشدو بالنشيد النبطي وثالثة يجرب الحديث بالألمانية وإذا عازته المفردات لم تعزه لغة الإشارة والإيماء فيتحدث لغة الابتسامة ولغة المحبة التي تجيدها شعوب العالم أجمع. لقدكانت صورة السيد عبدالله الجبيلان صباح يوم 7102004م في نصف صفحة ملونة على صدر الصحيفة (الألمانية) Frankfurt Runb
chau,Donnerstey الشهادة غير المجروحة
على ما يتمتع به الشعب العربي ومنه الشعوب السعودي من حبٍ للحياة وطاقة على التواصل السلمي مع محبي السلام في العالم.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved