الصومال الجديد

يتعين على الصوماليين العضّ بالنواجذ على إنجازهم الفريد المتمثل في انتخاب رئيس في دولة تفتقر لرئيس وحكومة منذ 13 عاماً، ولأن هذا العمل نادر وكان هناك حاجة شديدة له، ليس داخل الصومال فحسب، بل في العالمين العربي والإفريقي، فإن الحفاظ عليه والبناء عليه لاستكمال بقية الأنظمة الدستورية والبنيات التحتية للحكم هو من بين الأولويات الملحة.
وبينما افتقر الصومال طوال هذه السنوات إلى حكومة داخل البلاد ترعى شؤونه وتطبب جراحه الغائرة فقد تحول إلى مرتع للعصابات والقتلة وشذاذ الآفاق وتجار الممنوعات من كل صوب ومهربي البشر، وبصفة عامة فقد بات بؤرة لكل ما هو ممنوع، ونقطة تقاطع دولية للخارجين عن القانون والمرتزقة.
هذه الفترة الحالكة السواد ينبغي أن تكون درساً وتجربة ينبغي التمعن في كل سوءاتها من أجل عدم تكرارها، وذلك من خلال إدراك أن القوة المتشرذمة والمنكفئة على نفسها، والتي لا تسفر عن مكنونها إلا في حال القتال ليست هي القوة التي يمكن أن تقود أو تؤسس دولة وأن مثل هذه الكيانات التي تتمحور حول الاجرام رغم تبنيها أجندة سياسية، ستعيد فقط تكرار الأزمة والزج بها في مجاهل جديدة يوماً بعد الآخر.
ومهما حاول العديدون من زعماء الحرب الباس تحركاتهم واجهات سياسية، فإن الممارسة على أرض الواقع كانت تشير إلى مجرد عصابات تمتهن القتل لتحقيق أهدافها وأنه كان هناك غياب كامل للعمل السياسي المنظم.
ومع ذلك لا يمكن إغفال هذا الجهد المتميز الذي أثمر هذه الحكومة، وقد استطاع هؤلاء النفر الذين تغلبوا على كل نوازع الانتقام وتعالوا على الظروف البغيضة والواقع المرير لبلادهم ولم ينجرفوا في لعبة العصابات التي سيطرت على مقدرات البلاد، الانتقال بالصومال إلى آفاق واعدة ووضعوه على الطريق الصحيح نحو المعافاة الكاملة.
غير أن الطموحات الصومالية تصطدم بواقع مرير يحوي بعض الذي أشرنا إليه، كما ينطوي على حقائق أخرى لا تقل مأساوية، حيث انعدام البنيات الأساسية للدولة بما في ذلك ما يتصل بالأمن فضلاً عن الدمار الاقتصادي التام، ويعني ذلك أن هذه البلاد تحتاج إلى مشروع دولي واسع النطاق يخاطب جملة واسعة من المسائل يؤدي إهمالها إلى العودة إلى المربع الأول.
هناك تصميم على البناء وإعادة الإعمار من قبل هذه المجموعة الحاكمة الجديدة، حيث يقول رئيس الوزراء الجديد: إنه عازم على البناء من الصفر، وهو يستطيع أن يتقدم نحو ضربة البداية، غير أن مواصلة المشوار يستحيل بدون دعم دولي مقدر وبدون معرفة متعمقة بطبيعة الأزمة الصومالية.