غدا.. أو بعد غد يكون رمضان.. الشهر الكريم الذي ننتظر هلاله بفارغ الصبر كل عام، لانه شهر الخير والعطاء، والصدقة والنماء وهو شهر التوبة والمغفرة، وصلة الأرحام، والعودة الى الله، والوقوف مع الذات.
في هذا الشهر تنحسر الشهوات، ويفسح الله للمؤمنين الصائمين في عزائمهم، يحدوهم الوعد الحق بأن الصيام قد اختص الله تعالى به ذاته العظيمة، ليجزي بجزائه الجزيل صاحبه، يقول الله تعالى في الحديث القدسي:( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فأنا أجزي به) وهو دليل على ان إخلاص المؤمن في رمضان يختلف عنه في غيره من الشهور، وهو ما جعل للصائمين يوم القيامة بابا من أبواب الجنة لا يدخل منه غيرهم.
لست بصدد الحديث عن فضائل هذا الشهر المبارك، ولا في معرض التفصيل في الحكمة منه، والجزاء به، فهذا ميدان له أهله من العلماء الأفاضل، والفقهاء العارفين، لكنني أريد ان أقول: إن شهر رمضان اختبار ميداني للعزائم، لا بالإمساك عن الطعام والشراب، ولكن بالرجوع الى الحق، ومحاسبة الذات، وإصلاح ما فسد من النوايا والأعمال.
إن وقفة واحدة امام خلافاتنا، وتقصيرنا، واستعلاء البعض منا، واستقواء البعض الآخر، لكافية أن تجعلنا نعترف - على الأقل - بأننا نضيع الكثير من فرحتنا بقدوم رمضان، وذلك حين لا يتجاوز عملنا فيه تأجيل الأكل والشرب ساعات قليلة ليس أكثر، فكم فينا من رحم مقطوعة، وكم بيننا من كلمة حق ممنوعة، وكم لنا من تجاوزات مرئية ومسموعة، فإن لم يكن صيامنا كفيلاً بصلتنا رحمنا، وحافزا لنا للنضال من أجل حقوقنا، ورادعاً لنا عن تجاوزاتنا، وقبل ذلك كله مقربا لنا من ربنا، فإنني أجزم بأن انتظارنا رمضان لا يتجاوز عدنا للساعات وهي تمر، وجلدنا لانفسنا ونحن نوهمها بأنها تصوم طاعة لله، لا طلبا للريجيم، والعياذ بالله.
لقد أزف رمضان وحل، والبعض منا لا يزال على خلاف مع أمه وأبيه، ومع صاحبته وذويه.. حل رمضان وهل هلاله، والبعض منا لا يزال في طغيانه، يتمادى في الخروج على الأهل والوطن، ويتباهى بمروقه من القيم دون خوف ولا وجل.. وأين هؤلاء من اصحاب الهمم والعزائم الذين شمروا لصيام رمضان وقيامه، وجهزوا لايامه المباركة زاد التقوى، ليضمنوا لهم عند خالقهم حسن المأوى؟! وأين هؤلاء من ضعيفهم، ومحتاجهم، وابن أبيهم وأمهم؟! بل أين هؤلاء من نسائهم وأبنائهم وبناتهم، من الذين يأملون أن ياتي رمضان اليهم بهم؟
مرحباً برمضان ونعمه، وأهلاً بشهر الصيام وآدابه، وأكاد أسمع المنادي ينادي: أين الخاطئون الباحثون عن التوبة، فإن الله قد بسط لهم مغفرة تكفيهم وتزيد؟ لكنني في الوقت نفسه أكاد أرى أناسا عن لوم أنفسهم صامتين، وعندما يخرج رمضان منكم وقد خاب الكثير، لا تعوض الاوبة الى رشدهم مدبرين، وكل ما أخشاه، ان يخرج رمضان منهم خائبين، وأن يخرجوا هم - كعادتهم- من رمضان خاسرين.. وتاليتها!!
|