Wednesday 13th October,200411703العددالاربعاء 29 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

أنت أنت
خواطر وطنية
م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

بلادنا هي التربة التي نبتنا فيها.. فنحن غرسها وثمارها.. وهي مآلنا ومستقبلنا ومستقبل أبنائنا وأحفادنا.. كيف نتعامل معها؟.. وكيف نفكر فيها؟.. وكيف نحولها من أرض جامدة.. لا تزيد عن أن تكون منصة مسرح.. علاقتها بدراما حياتية علاقة غير متصلة إلا في الشكل والديكور إلى أرض خصبة فيها كل مظاهر الحيوية والحياة؟.. كيف نحول أرض بلادنا وما يدور فوقها إلى معرفة وتجربة واقعية وفكر متراكم يفيد جيلنا والأجيال التي بعدنا؟.. كيف نفعل العلاقة بين الإنسان وتربته التي نبت ونما فيها حتى اشتد عوده؟
مرت بلادنا، ومررنا بعدد من التجارب المريرة على مدار العقود الماضية، فقد مررنا بتجربة جهيمان.. ثم بتجربة غزو الكويت وحرب التحرير.. وها نحن نمر بتجربة الإرهاب.. فهل ستمر هذه التجربة كما مرت تجربتا جهيمان وحرب تحرير الكويت.. دون علم أو معرفة.. ودون أن تزيد التجربة من ثقافتنا الاجتماعية وتنشِّط جهازنا المناعي لمواجهة مثل هذه التجارب مستقبلاً؟
إنني لا أقصد بالمعرفة هنا كلاماً مرسلاً لا يعتمد على قياس مادي لواقع التجربة، وإلا فإن صحفنا تمتلئ بالمقالات الانطباعية التي لا تعدو أن تكون تعبيراً عن الذات يخلو من الاستقراء.. بل قد يخلو أحياناً من الفكر، إنني أقصد الدراسات العلمية المنهجية لقياس التجربة المبنية على قياسات وإحصاءات وبيانات وتحليلات عميقة.
هل يعقل أن نمر بتجربة مثل تجربة جهيمان فلا نستفيد منها ولا ندرك أبعادها المنظورة منها وغير المنظورة؟.. هل سيطرت علينا روح الأمية لأننا حديثو عهد بالخروج من الأمية.. فأصبحنا نتلقى بالمشافهة أكثر مما نتلقى بالقراءة والاستقراء والبحث؟.. هل سيطرت علينا روح الأمية.. فأصبحنا نقرأ بالأذن ونرصد تاريخنا ونستقي علمنا وموروثنا الاجتماعي من أحاديث المجالس وحكايات السمر التي يغلب عليها الحكم الظني والتجربة الشخصية وأهواء المتحدثين.
متى نستيقظ من روح الأمية التي استغرقتنا؟.. ومتى تصبح التجربة الاجتماعية بحلوها ومرها مَصْلاً في وريد الأمة يستجلب حلوها ويتحصن من مُرِّها؟.. اننا لسنا مطالبين باختراع العجلة من جديد.. إننا مطالبون بالاستفادة من تجاربنا وتجارب الآخرين.
حينما شجع الأمير خالد الفيصل التفكير وحفز الإبداع في كل ما يتعلق بالإرهاب.. ورصد لذلك جوائز شخصية.. فإنه خلق حالة من المعرفة لموضوع وطني خطير، وهو جهد فردي كبير ليس غريبا على مؤسس مؤسسة الفكر العربي.. لكنه يبقى في حدود المبادرة الفردية، إننا بحاجة إلى جهد مؤسسي جماعي مبني على محاور إبداعية وثقافية وإعلامية في ظل منظومة استراتيجية متكاملة لمحاربة الإرهاب في كافة صوره.. مع وضوح الأهداف الاستراتيجية وسبل الوصول إليها.
وضوح الرؤية إذن هو السبيل لتحديد الهدف ومن ثم صياغة السبيل أو السبل الواضحة في سبيل الوصول إليه في أسرع وقت، أما الانكفاء على الذات والالتفاف على الأهداف لتحقيق أهداف أخرى غير منظورة.. فإنه إهدار للتجربة الاجتماعية بلا تبرير من مواجهة الواقع بصورة عقلانية.
تحديد الرؤية ليس اجتهاداً.. كل يمكن أن يفعله.. أو رأياً كل يمكن أن يطرحه.. أو اقتراحاً كل يمكن أن يقوله.. الرؤية من الحساسية، أن المعلومة والفكرة والرأي والانطباع والتمني والتوقع والظن والهوى والرغبة والمصلحة.. كلها مؤثرات مهمة في تشكيلها وتحديد اتجاهها وسرعتها ووسائلها ومكوناتها.. وأسلوب الوصول إليها.
الرؤية أيضاً يمكن أن تحبط أو تحد إذا صدرت من عقول تعتقد أنها تعرف الحقيقة المطلقة.. فهذا سيمنع أصحاب هذه العقول من إشغال الذهن والتفكير.. وهنا تكون تلك العقول أسيرة اليقينية.. وهذه مشكلة كبيرة.. فمن عوائق اليقينية انها تصد الروح عن التطلع للتعلم.. وتجعلها تكف عن اللحاق بمعرفة كل جديد وحديث في الحياة.. حتى تصل تلك العقول اليقينية إلى الانغلاق والانعزال.. الذي يولد مشاعر العنصرية والاستعلاء والاستعداء والإقصاء.. وأمراضاً أخرى.
لقد فاتنا الكثير في مجال توثيق التجربة الاجتماعية وإخضاعها للقياس والبحث والدراسة للاستفادة منها وتجنب مثالبها واستجلاب خبراتها.. كما فاتنا الكثير في مجال الاستفادة من تجربة الغير وإخضاعها لمعطيات الواقع المحلي، لذا أرى أن نوثق واقعنا الاجتماعي الحالي بإخضاعه للبحث والدراسة ومن ثم وضع استراتيجية واضحة الأهداف والمعالم لمواجهة مشكلات هذا الواقع بوضوح في الرؤية دون التفاف على الأهداف، ودون التعاطي مع أعراض المشكلة وكأنها هي كل المشكلة.
هذه خواطر وطنية.. ولا أشك مطلقاً أنها في خاطر كل مهتم.. اللهم احرس بلادنا.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved