سبق أن كتبت قبل سنوات عن وضع المبدعة في صحافتنا الثقافية وقلت إنها تُظلم من ناحيتين:
الأولى : أن تكون كاتبة متميزة ولا تجد من يساندها لأنها غير معروفة بداية أو أنها لا تعرف (واسطة) تدعم كتاباتها أو أنها لا تفضل الطرق الملتوية للوصول إلى قارئها والتواصل معه لأنها تريد ان يكون مقياس الحكم على موهبتها من خلال ما تكتب وليس من خلال شخصيتها!!.
الثانية: كاتبة مغمورة ولا تعرف كتابة أي شيء حتى اسمها قد تكتبه بخطأ إملائي فاضح ومع ذلك تجد لها الأبواب واسعة (والمطبلون) لكتاباتها جاهزون لتعداد مزايا أسلوبها الراقي وفكرها النير مع أنها لا تفقه شيئا في الكتابة.. ولكن أسأل من (أبوها) أو أسأل من (الواسطة) التي ورءاها... أما إذا أعيتك الحيل فاسأل أهل العلم يأتوك بالخبر اليقين!.
تأمَّل الأسماء النسائية في صحافتنا وخاصة الثقافية منها واقرأ بتمعن ستضحك في البداية وستدهشك النتائج:
- ستقرأ لكاتبة مقالة تحت مكانة بارزة وواسعة بالصفحة (وبالطبع ببنط مميز).. ستضحك لأن أقل ما توصف به هذه المقالة انتماؤها إلى (مذكرات مراهقة).. لا تحاول البحث عن من (أبوها) فهذه مسألة أخرى!!.
- سيلفت انتباهك قصيدة لمبدعة مجهولة (محشورة) في أسفل الصفحة.. كأنها (إعلانات مبوبة).. طبعاً ستسأل: هل قرأ المحرر الثقافي هذه القصيدة وحكم عليها بهذه القسوة أن تحشر كإعلان (منظفات منزلية).. هل فعلاً قرأ القصيدة؟!!.. لا تحاول البحث عن العدالة!.
- تكتشف أنه لا توجد مقاييس يستند عليها المحرر الثقافي في إبراز المواد الثقافية.. ولن تتفاجأ إذا رأيت بعض الكتابات المبدعة وقد وضعت عمداً في أسفل الصفحة (حتى لا تقرأ) بينما كتابات هامشية أفردت لها صدر الصفحة (لإجبار) القارئ على الانتباه لها.. وحتى ولو لم يقرأها فإنه سوف ينتبه للاسم وهذا هو الأهم بالنسبة لصاحبة الاسم وأيضا بالنسبة للمحرر الثقافي الذي يحاول فرض الأسماء التي يريد على قارئ لا يقرأ في الصحيفة إلا ما يهم واقعه المعاش!!.
الأجمل في هذا الموضوع انه مهما حاول المحرر الثقافي في فرض أسماء نسائية معينة (غير مؤهلة) فإن الزمن كفيل بإفشال مخططاته لأن ما قد يخفيه الآن عن أعين القراء سينكشف الستار عن (الفضيحة) الأدبية.. وستختفي هذه الأسماء بعد فترة من الزمن تعتمد (طول مدة هذه الفترة) على طول نفس المحرر الثقافي!.
والأسوأ في هذا الموضوع أن المبدعة التي فضلت الانزواء والعزلة بعيداً عن (النشر) ستجد هذا الخيار أفضل من الخوض في (حسابات) قد تجعلها (تخسر) أكثر مما تربح في عملية النشر!.
قد يصل بعضكم الى نتيجة أن السبب الوحيد في هذه المسألة هو تدني الوعي الاجتماعي والثقافي لدى (المحرر الثقافي) وهو صحيح ولكنه ليس السبب الوحيد.. فبالإضافة الى هذا العامل هناك عوامل أخرى مثل النظرة القاصرة (للمرأة) والتعامل مع إبداعاتها والتعاطف معها لأنها (أنثى) فقط.. وغياب دور المكاتب النسائية في الصحف المحلية في عدم إبراز الأسماء النسائية المبدعة.. كما بعض الكاتبات لا تفضل التعامل مع زميلات من نفس المهنة.. ربما بدافع الغيرة!!.
المرأة.. صورة لتناقضاتنا اليومية!!!.
|