* القاهرة - مكتب الجزيرة -عبد الله الحصري:
كان آخر حادث عنف كبير شهدته سيناء في عام 1985 عندما قتل الجندي المصري سليمان خاطر سبعة سائحين إسرائيليين بالرصاص، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة، ثم عثر عليه بعد ذلك ميتاً في زنزانته بالسجن عقب إدانته، ومنذ هذا التاريخ لم تشهد تلك المنطقة أية أحداث عنف إلا بعد مرور 19 عاماً عندما فوجئ الجميع بثلاثة تفجيرات في طابا الآمنة جداً، والتي يدخلها المصريون عبر نقاط تفتيش أمنية خاصة، جداً، بعكس الإسرائيليين الذين لا يشترط حصولهم على تأشيرة للسفر إلى شرق سيناء رغم أنهم ملزمون بالحصول على تصاريح دخول لزيارة بقية مصر.
ومن جانبها تواصل أجهزة الأمن المصرية تحقيقاتها لكشف ملابسات الهجمات حيث تم رفع بصمات من على سيارة يعتقد أنها استخدمت في تفجير فندق هيلتون طابا،كما ألقت القبض على العشرات من البدو في صحراء سيناء للاشتباه في أنهم تعاونوا في نقل المتفجرات التي استخدمها منفذو الهجمات.
وشددت الشرطة المصرية التدابير الأمنية في القاهرة مع نشر أفرادها بكثافة حول الفنادق والأماكن السياحية في المحافظات المصرية، ومنعت السيارات من دخول أماكن انتظار السيارات في جميع الفنادق مما أدى إلى تذمر المصريين الذين يذهبون بسياراتهم إلى الفنادق، كما وضع رجال الشرطة حواجز على مقربة من مداخل فنادق العاصمة المصرية حيث جرت عمليات تفتيش دقيقة للسيارات، فيما أجبر سائقو الأجرة على تسليم بطاقات هوياتهم الخاصة وتراخيص سياراتهم إلى الشرطة، كما وضعت حواجز معدنية على طول الأرصفة الرئيسية في العاصمة خاصة في مناطق وسط القاهرة، تحسبا لوجود عمليات أخرى.
وعلى غرار مسارعة إسرائيل باتهام المسلمين بتفجير برجي التجارة العالميين في أحداث 11 سبتمبر 2001، كانت أول من سارع باتهام القاعدة بتدبير أحداث طابا المصرية، قبل أن تتكشف أية خيوط حول التفجيرات الثلاث، وهو ما جعل ماجد عبد الفتاح الناطق باسم الرئاسة المصرية يصف اتهام إسرائيل تنظيم القاعدة بتدبير تفجيرات سيناء بأنه (تقدير متسرع جدا)، مؤكدا أن القاهرة لا تستطيع تأكيد هذا التقدير في المرحلة الحالية، خاصة وأن الهجمات وقعت في مناطق قريبة جدا من الحدود الإسرائيلية، وتساءل: (لماذا نتمسك بالقاعدة ونترك الجماعات الأخرى التي ادعت مسؤوليتها؟).
وفي الإطار نفسه أعرب مسؤولو مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة عن شكوكهم في أن القاعدة لعبت دورا مهما في تلك الهجمات نظرا لدقة التنفيذ ، وأوضح مسؤول أمريكي أن الجماعات المسلحة في كل من مصر , والأراضي الفلسطينية , لا يمكن استبعادها من دائرة الشبهات تماما
والمثير للدهشة أن الانفجارات الثلاثة تمت بعد أيام من تحذير السلطات الإسرائيلية مواطنيها المسافرين إلى سيناء من زيارة المنتجعات المصرية على البحر الأحمر، بزعم أنها قد تكون هدفا للنشطاء الفلسطينيين في إطار الانتفاضة التي يقومون بها منذ أربع سنوات، أو لجماعات إسلامية لم تحددها وربما لتنظيم القاعدة!!.
ورغم أن ثلاث جماعات زعمت في بيانات مختلفة مسؤوليتها عن تفجيرات طابا، لكن إسرائيل تصر على أن القاعدة هي التي وراء تلك التفجيرات، لتعطي إيحاءات بأن مصر غير قادرة على توفير الأمن في أراضيها فكيف توفره في غزة بعد انسحاب قوات الاحتلالا الإسرائيلية؟ ويرى محللون أنه برغم اعتراف منظمات مجهولة بأنها وراء التفجيرات، لكن سوابق اسرائيل تشير إلى أنها وراء التفجيرات الثلاثة، حيث إن سوابق اسرائيل في استهداف مواطنيها وحلفائها كثيرة.
ويرى ضياء رشوان المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية بمركز الدراسات السياسية بالأهرام أن الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية هما الأكثر استفادة من وقوع هذه التفجيرات، وأن ذلك من شأنه أن يساعد رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون على تسويق عالمي لادعاءات بوجود إرهاب إسلامي يستهدف بلاده من كل جانب، كما يساعد الرئيس الأمريكي جورج بوش في مزاعمه حول انتشار الإرهاب في العالم وهو ما يقتضي إعادة انتخابه مرة أخرى، وأضاف أن انفجار طابا ربما يمثل رسالة للحكومة المصرية بأنها لا تستطيع ضبط أمنها الداخلي وبالتالي لا يمكنها لعب دور في ضبط الأمن بغزة وفقاً لخطة طرحتها مؤخراً.
ولكن هل يعد حادث طابا مقدمة لموجة من التفجيرات كالتي كانت في مصر في الثمانينيات والتسعينيات، يجيب عن هذا التساؤل الدكتور عمرو الشوبكي بمركز الأهرام للداراسات السياسية، حيث يرى أن أي عودة لعمليات عنف الآن في مصر لن تكون كالتي شهدتها البلاد في تلك الفترة ؛؛ لأن الدافع الرئيسي وراء عمليات العنف التي كانت في الثمانينيات والتسعينيات كانت دوافع داخلية أساسا، وكانت جماعتا العنف في ذلك الوقت هما تنظيم الجهاد والجماعة الإسلامية اللتان كانتا تتبنيان رؤية شبه تكفيرية للنظام الحاكم تعتمد على المواجهة والتغيير بالعنف بهدف إسقاطه، ولكن بعد حرب الخليج الثانية وقدوم الولايات المتحدة بقواعدها العسكرية للخليج أحدث تحولاً في فكر هاتين الجماعتين، فبدأتا تواجهان العدو البعيد ؛أي الولايات المتحدة وإسرائيل.
وبالتالي إذا عاد العنف مرة أخرى إلى مصر - والكلام للدكتور عمرو - فسوف يكون أقل بكثير مما شهدناه في الثمانينيات والتسعينيات من ناحية الكم، كما سيستهدف المصالح الأمريكية والإسرائيلية بالأساس من ناحية الكيف وفق التصور الفكري الجديد للحركات الجهادية.
ورغم عدم موافقته على الآراء التي تزعم وقوف الحكومة الإسرائيلية وراء عملية طابا، لكنه يرى أن إسرائيل هي المستفيد منها ليس فقط من أجل إظهار الضعف الأمني في مصر، وإنما لكي تبرر طنطنتها بالربط بين المقاومة الفلسطينية المسلحة والعمليات الإرهابية التي تحدث خارج الأراضي المحتلة.
وطبقا لدلالات ساقها محللون يرون أن القاعدة وراء العمليات الثلاث، حيث كان الفارق الزمني بين التفجيرات الثلاثة محددا بدقة وهو 15 دقيقة بين كل انفجار والذي يليه، وكان البدء بالفندق قبل أن يتم اتخاذ إجراءات تحول دون تفجيره إذا تم الانفجاران الآخران قبله، كما أن توقيت العملية والفاصل الزمني بين كل تفجير وآخر يشير لنفس أسلوب التفجيرات التي تمت في تركيا والمغرب والسعودية ونيروبي والعراق، وهو أسلوب التتابع الزمني والتنسيق وكثافة التفجيرات واستخدام أساليب السيارات المفخخة لضمان الوصول لعمق الهدف واقتحام الحماية الأمنية، وهو أسلوب يقوم به أنصار تنظيم القاعدة غالبا، وهذه العمليات يصعب تنفيذها في بضعة أيام ويستغرق تنفيذها عدة أشهر، يضاف إلى ماسبق ماأعلنه محافظ سيناء من أنه تم العثور على سيارتين محترقتين n غير حطام سيارة فندق طابا - في موقع الانفجارات مما يشير إلى عملية مخططة بدرجة عالية ومنذ فترة طويلة، وأنه تم اختيار هذا التوقيت الحساس لأنه مواكب لعيد المظلة اليهودي والذي يحيون فيه ذكرى خروج العبرانيين إلى سيناء ويفضلون فيه السفر إلى سيناء لأسباب دينية في المقام الأول، ويرافق ذلك عادة تدفق أعداد ضخمة من اليهود والإسرائيليين على منتجعات سيناء الرخيصة الثمن حتى إن عددهم بلغ قبل التفجيرات n وفق إحصاءات إسرائيلية - 61 ألف يهودي بينهم 45 ألف إسرائيلي، بقي منهم وقت التفجيرات 15 ألفا بسبب التحذيرات الأمنية الإسرائيلية من السفر إلى مصر خشية وقوع هجمات ضدهم وكان أغلبهم في منتجات طابا القريبة من الحدود المصرية الفلسطينية.
فيما ينفي منتصر الزيات المحامي الخبير في شؤون الحركات الإسلامية التهمة عن القاعدة لأن ليس هناك وجود لتنظيم القاعدة في مصر أصلا، كما أنه يصعب تصور الزج بعناصر من الخارج (من الهاربين من الجهاد مثلا) لمصر لتنفيذ مثل هذه العمليات لأن جهاز الأمن المصري قوي ويرصد هذه المور بدقة، وفيما يتعلق باتهامات البعض بأن تكون هناك حركات إسلامية مصرية وراء التفجيرات، استبعد الزيات أن تكون الجماعة الإسلامية المصرية وراء مثل هذه العمليات لأن هذه الجماعات أعلنت مبادرة وقف العنف منذ عام 1993 وتعاونت مع الحكومة المصرية، كما أنها (تحت الرصد والرقابة) الأمنية، كما أنها ليست لديها تقنية هذه العمليات الفنية الصعبة، كما استبعد جماعة الجهاد لأن نشاطها مجمد ولم يعد لها وجود في مصر، وأعضاؤها في السجون، وأيمن الظواهري زعيم الجهاد سبق أن أقر بذلك وأصدر قرارا عام 1995 بوقف العمليات في مصر.
|