خطوة نحو التهدئة في العراق

كل ما يساعد على التهدئة مطلوب بشدة في العراق، وينظر إلى الاتفاق بين حكومة علاوي وجيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر بشأن تسليم أسلحة المليشيات في مدينة الصدر على أنه خطوة مهمة في طريق الانتقال بالعراق إلى العملية الدستورية المتمثلة، خصوصا في الانتخابات التي تجري في يناير المقبل، فضلا عما تعكسه هذه الخطوة من القبول بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلا من الاحتراب.
ويؤمل أن يسري هذا الاتفاق إلى الجماعات الأخرى التي تحمل السلاح في العراق مع وجود الضمانات الكافية التي من شأنها توفير عملية انتخابية حرة ونزيهة وخالية من كل ما يشوبها، فمثل هذه الضمانات من المجتمع الدولي من شأنها تشجيع الآخرين على نبذ السلاح والانخراط في العملية السياسية.
غير أن نبذ لغة السلاح يستلزم ضمن أشياء عديدة زوال الخطر عن المدنيين العراقيين من الغارات الأمريكية التي تقتلهم كل يوم بزعم أنهم من جماعة الزرقاوي.
وربما اعتبر الاتفاق بين الصدر وحكومة علاوى فرصة لاختبار النوايا، ومن المؤكد أن الأطراف الأخرى ستراقب هذا الاتفاق باهتمام لترى ما إذا كانت الأطراف ستحترمه وما إذا كان سيؤدي المطلوب منه وانعكاساته على مدينة الصدر التي كانت مسرحا لأعنف المواجهات على أرض العراق.
وقد بدت مدينة الصدر أمس على غير عادتها وتغيرت ملامحها من ساحة للحرب والاقتتال إلى وسط يعج بالمدنيين بينما تم فتح المتاجر والمحلات المغلقة، كما أمكن رؤية الصغار وهم يتوجهون إلى المدارس لأول مرة منذ فترة طويلة.
هذا النموذج البسيط قد يعطي فكرة عما ستؤول إليه الأوضاع في هذه الضاحية البغدادية لو أمكن لهذ الاتفاق الصمود، والنموذج مرشح للتطبيق في أنحاء العراق كلها خصوصا تلك المناطق التي تحولت إلى ساحات للمواجهات الساخنة، غير أن ذلك يستلزم حرصا قويا من طرفي الاتفاق على تنفيذ جميع البنود.
والحرص ينبع بصفة خاصة، من كون العراق كافة في حاجة لمثل هذه التهدئة بعد أن أصبح نهباً للقتال والفوضى وعمليات الاختطاف التي أصبح بعضها ينفذه مجرمون محترفون يتطلعون إلى تكوين ثروات مقابل الإفراج عن رهائن، بينما بات بعض الرهائن سلعة تتداولها العصابات التي تخصصت في مثل هذه العمليات.
والمسألة مرشحة لتطورات أشد فداحة، لكن التوافق بين الجماعات العراقية سيعيد قدرا من العقلانية لساحة باتت نهباً لأطماع المجرمين وشذاذ الآفاق فيما يجري تشويه بالغ للمقاومة العراقية ولكل ما هو عراقي.
وأمام العراقيين فرصة لإنقاذ بلادهم التي صارت تتقاذفها الأهواء والأنواء السياسية والإجرامية، وعلى المجتمع الدولي أن يظهر اهتماما أكثر بما يجري في هذا البلد من جهة تشجيع التوافق بين الجماعات العراقية بما في ذلك بين الحكومة والآخرين مع نبذ لكل ما يقود إلى التوتر بما في ذلك ما قد تقدم عليه القوى الدولية العسكرية من استهداف للمدنيين بدعوى مطاردة المسلحين، وهو أمر يسهم كثيرا في تغذية الرغبة في الانتقام من أي من كان ويؤدي بالتالي إلى التشرذم والابتعاد عن العمل الجماعي.