إذا كان البعض ما زال يرى أن اقتناء الجوال حالة ترفية، رغم ضرورات الحياة المتعددة التي تجعله أحد معاطفها، فإن اتصالات بتصرفاتها الغريبة هي من يؤيِّد هذا القول.
ورغم أن الانتقاد لبعض الأجهزة يجب أن يأتي في محله، وأن يكون مدعوماً بحجج منطقية وعادلة، فإن اتصالات أيضاً لا تجد لها منفذاً آخر للهروب من تساؤلاتنا سوى تهميش عقولنا وتحييد منطق الواقع عنها، وهي تدرك تماماً سيطرتها على جيوبنا، واستفرادها بالاحتكار، خصوصاً بعد انهيار عقد الجوال الثاني مع اتصالات الإماراتية.
هذا الانهيار أتى ببشرى اتصالاتنا وهي تزايد بشعاراتها المختلفة وتزف الإعلان تلو الآخر، فمرة ترحب بالصفر بتلك العبارة التي حفظناها مهلِّلة بالصفر الذي أقحمته بأرقامنا، إلى ترحيب آخر بحشر خمسة أخرى لا مبرر لها سوى أن يسلب رقم هاتفك وتدفع شريحة جديدة، ليأتي الترف قسراً، وبينما كان المساكين يعانون ويلات الرسوم الأبدية، فإنها تضعهم بين خيار الرقم الثاني الرديف لإغراء شرائه!
يجب على مثل هذه الشركة والتي كانت من أوائل ثمار الخصخصة، أن تكون قدوة لغيرها، كونها قد احتكرت وما زالت هذا القطاع الحيوي الذي يرغم عليه المواطنون وغيرهم، بدافع الضرورة في الغالب، وأن لا يصل الاستخفاف بالمشترك إلى هذه الدرجة.
لا يمكن أن يكون هناك مصالحة بين المفيد والمستفيد أو مقدِّم الخدمة ومنتفعها، كما هو بيننا وبين اتصالات كمثال، ما لم تبن علاقة منطقية وتبادلية واضحة، وإن مجرد الشعور بالاستغلال يصل إلى أن لا خيارات أو بدائل، فهو الأمر المستهجن الذي نصل إليه من مقارنة سريعة مع دول سبقناها بمراحل في كثير من الخدمات، بينما تطورت في الخدمات السريعة المتعلِّقة بالجمهور، وقبل ذلك تنصت جيداً لمطالبهم، لأنها تدرك من أين يأتي غذاؤها وإمدادها من عرق المشتركين وأموالهم.
حالة كهذه يجب أن تُدرس، وأن تُعاد مسألة طرح مناقصات أخرى لشركات منافسة ليس بالاسم فقط، بل في الخدمة وشعور المشترك بالأمان خلال تعاطيه مع مثل هذه المسائل الحياتية، التي لا يتفضَّل بها أحد عليه.
غاب عن سياسة (اتصالاتنا) دراسة سريعة وخاطفة لمثل هذه الإجراءات التي تتخذها دون العودة للمموِّل الحقيقي لها وهو المستفيد، في حين لو كان بمكان آخر لحق له مقاضاتها، كونها قد أقحمته بخيارات لا بدائل لها بدءاً بذلك الضيف (الصفر) الذي كان ثقيلاً وأرغم الناس على إعادة برمجة أرقامهم، إلى خمسة جديدة تبحث عن رسوم أبدية ومئة أخرى. وإلا يذهب نفس الرقم لغيره!
وبينما كان مفهومنا العام يرعى في مقولة إن الخصخصة جزء يسيّر الحياة، ويخلِّص من قيود البيروقراطية والقطاع العام ذي الأداء الروتيني، وأن في مثل هذا البديل خيارات وديناميكية تتجاوب مع سرعة العصر ومرهقاته الكثيرة، إلا أن اتصالاتنا أبت إلا أن تضع الهدف في زاوية محصورة بكثير من ابتكاراتها المرهقة، بدءاً ببدعة الرسوم الدائمة، التي تنفرد بها من بين مثيلاتها من كل الدول، والتي تدفع مرة واحدة، وبين اختراعاتها المتواصلة التي عادة ما تنتهي إلى الاستنزاف بالطبع.
هذا كله، قد يجعل الناس يترحَّمون على مقدِّمة الخدمة سابقاً، ذات العنوان الطويل، المرحومة وزارة البرق والبريد والهاتف، التي كانت أرحم من احتكار اتصالات بجوالها وهواتفها الثابتة أو الطائرة أو ما تعلَّق منها بخطوط الشبكة العنقودية التي بقيت معلقة ببراثن التعثر!
لا منطق لدى اتصالات أو جواب إلا هذه هي خدماتنا، ومن لا يعجبه ذلك، فليس مرغماً على الاشتراك!!
|