يكثر في الآونة الأخيرة الجدل والحديث حول ضرورة إتاحة مساحة من تعدد الآراء واختلاف الوجهات واحترام التباين بين المشارب والموارد وحسب اعتقادي أن ليس في ذلك ضير إجمالاً.
بيد أن من المتعيَّن في ذات الوقت وأنه لن يتم ضبط ذلك التباين والاختلاف ومساحات الحرية والسعة والمندوحة المراد بثها.
وإذا كان البعض ينادي بذلك من نافذة مقتضيات العصر ولوازم الساعة فإن التبصر في أحوال المجتمعات حتى تلك التي تدق أجراس الحرية صباح مساء تضع ثمة خطوط حمراء وحواجز يتعين عدم القفز عليها أو تجاوزها.
نحن جميعاً في مجتمع لن نمل من التأكيد على خصوصيته التي لا تنقصه ولا تغض من طرفه.
وها هي مجتمعات الأرض قاطبة وممالكه القديمة والحديثة تحتفظ بقسط وافر من الخصوصية التي تعتز بها وتشتعر بها الفرق والتمايز مع الآخرين.
فلماذا إذن هذا الحرج وتلك القشعريرة من مبدأ الخصوصية لدينا!!
ومن هنا فإن المجتمع يختزن روافد عديدة وأطراً عديدة حين نقلبها ونقطع شريانها تعيش في خلل بغيض وآفة مزمنة.
هذا الحديث يثار وأصوات ينصت إليها الناس بدهشة عبر أثير (إضاءات) لتنقلب تلك المصارحة إلى هوَّة (...........).
فالخوض في مسلمات العقيدة وقواعد الشريعة وضرورياتها ليس مرتعاً خصباً لكل أحد.
وإذا كان الجميع يستشعر مندوحة الخلاف ومقتضاه في فروع الشريعة وأحكام الفقه واجتهادات العلماء الراسخين.
فلا ذلك حسب ظني يقودنا إلى القعود ثم نشرع أصول الدين الكلية لكل رأي وخوض.
أما الإشكالية الأخرى فهي الإسقاط المتعمد بشتى قضايانا ومشكلاتنا على المنهج الدعوي (أو ما يسمى عند البعض بالصحوي).
كثيراً ما تتصدر قضايا المرأة والتعليم وما يطلق من مسميات المؤسسات الدينية أنها تتحمل العبء والمسؤولية مطلقاً جراء ما تعيشه بلادنا من أحداث وملمات والحل حسب ما يرصده كثير من الباحثين ليس بالانقلاب على المبادئ وإطلاق النار على القواعد والأصول ومحاولة قضم الثوابت.
إن التيار المغالي في التفريط والتساهل الداعي إلى الفوضى الفكرية والعبث العلمي والتملل من القيود الشرعية الثابتة لن يزيد الساحة إلا خللاً وتوتراً.
وإن دعوى الاختطاف المتعالية والمناهج الخفية التي يحاول البعض سحب تطبيقاتها على شتى مناحي ومؤسسات الدولة العلمية حتى المهنية!!
ليس من الأصلح أن يمارس البعض فيه هذا التراشق ظناً أن الوقت سانح والساحة خلو وهذا أوان النيل والتشفي.
إن الخشية بحق أن يقودنا هذا الهوس فنسارع بتلميع بعض الموتورين ممن اهتواهم ارتداء المناقضة والتعمم بالمخالفة وحسبهم بذلك فخراً.
فنسعى حينئذ إلى أن نستمع لمن يسعون لخرق السفينة وإغراق الأمة بنبوءاتهم!!
إن ممارسة هذا الإجراء على أحكام الدين وضرورياته القطعية هي عين خلافنا وليس كما يدعى من أنه رفض مبدأ الخلاف الأصلي.
وكم نندب كثيراً حين نعاين هذا التجديف الغالي في نظريات بعيدة عن روح الدين ومقتضى الشريعة.
إنني أجد من الضروري قيام مراجعة عاجلة لخطر تلك التجاوزات الخطيرة التي تعلن الثورة على كل شيء ولا ترى غضاضة بتسمية ذلك حتى ولو (ديناً جديداً)!!
وإذا كنا نشكو من فئة اجترأت فغالت في رؤيتها لمنهج التكفير والتفسيق والتبديع فاستحلت الأموال والدماء ونسفت تنظير العلماء واجتهادات العلماء.
فلا أقل خطراً منها من أعلنوا تمييع تلك الأصول وحاولوا تلفيق أحكام الشريعة وترقيع مبادئ العقيدة بحجج أوهى من بيت العنكبوت في اعتداء صارخ يمثل قمة العدوان اللفظي والاعتداء الشفهي والله لا يحب المعتدين.
|