الصراع المزمن في أفغانستان

طبيعة الأوضاع الأفغانية تجعل الشكوك ملازمة لكل فعل سياسي، غير أن الأمر عندما يتعلق بالانتخابات التي تفضي مباشرة إلى الحكم، فإن الشكوك، بل كل الشكوك تخرج من قمقمها.. فاللغط الذي صاحب الانتخابات الأولى من نوعها، تجري محاولات لتجاوزه، وحتى الآن رأينا انسحاب 15 من المرشحين ليبقى الرئيس قرضاي وحده في مواجهة اتهامات بحدوث أعمال تزوير واسعة النطاق، بينما تقوي موقفه إشادات من المراقبين الدوليين عن ديموقراطية ما جرى من تصويت، فضلا عن المشاركة الكبيرة التي أجمع المراقبون إلى الإشارة إليها باعتبارها من أهم مدلولات هذه العملية الديموقراطية.. ولأن الحرص شديد على إكمال هذه العملية من قبل الحكومة الحالية وأيضا من قبل الولايات المتحدة فإن القبول بما جرى أي بالتصويت واعتبار العملية منتهية لا يرضي المرشحين الذين انسحبوا من السباق، وفي ذات الوقت هو أمر يستثير الجماعات التي لم تشارك أصلا في العملية، وتلك التي هددت بإفشال الانتخابات وعلى رأسها طالبان.. أي أن الساحة الأفغانية باتت الآن مهيأة لصراعات جديدة، وبينما كان الصراع قبل الانتخابات بين القوى الحاكمة وطالبان بصفة أساسية فإنه يخشى أن ينتقل إلى صفوف المناوئين للحكم بعض من هؤلاء الذين ارتضوا الاحتكام إلى صناديق الاقتراع، وبينهم بصفة خاصة المرشحون الذين انسحبوا احتجاجا على ما قالوا: إنه عمليات تزوير وتجاوزات لصالح المرشح الأوفر حظا بالفوز وهو الرئيس حامد قرضاي. فهذه الفئة من بين المرشحين ترى أن الصراع السياسي عبر العملية الديموقراطية هو الأسلم لظروف البلاد، لكن لا يعرف إلى ماذا سيؤول وضعها اذا تمسك الحكم بعدم إعادة الانتخابات، خصوصا وأن الولايات المتحدة حريصة على رؤية نهاية سريعة للعملية الانتخابية بما في ذلك عمليات فرز الأصوات التي لم تبدأ بعد، إذ إن الرئيس الأمريكي جورج بوش يريد أن يقدم لشعبه عشية الانتخابات الامريكية إنجازه في أفغانستان المتمثل في حكومة منتخبة بطريقة ديموقراطية، وهو أمر يعزز كثيراً من وضعه الانتخابي أمام منافسه الديموقراطي. أما الذين يعارضون المسألة الانتخابية برمتها بما في ذلك الحكم فإنهم سيجدون ان الوضع المضطرب الجديد سيعزز من دوافعهم في هذه الحرب التي يخوضونها ضد قرضاي والقوات الأمريكية والوجود الدولي بصفة عامة.. ولا تحتاج أفغانستان لمن يؤجج نيران الصراعات فيها، حيث ظلت المواجهات حية على الدوام، والأحرى أن البلاد تحتاج إلى التهدئة بقدر الإمكان، وكان يؤمل أن تقود هذه الانتخابات إلى قدر من الاستقرار، وأن تغري الأوضاع الجديدة بما تنطوي عليه من أجواء ديموقراطية ومن لمسة للتعددية الآخرين إلى الانضمام والمشاركة في الحكم بدلا من أن تكون سببا آخر للتنافر والصراع.