هناك حملة عالمية من أجل تجفيف المنابع المالية للمنظمات الإرهابية. وهناك بيانات ومعلومات غير مؤكدة هي غالباً استخباراتية، تربط بين هذه المنظمات وكثير من مؤسسات العمل الخيري على مستوى العالم، إلا أن هذه المعلومات الاستخباراتية أثرت حتى في موقف الأمم المتحدة التي طالبت بوضع أنظمة للتحويل أكثر شفافية يمكن خلالها ضبط وتحديد مسار الحوالات. وتقوم الحكومة السعودية بإعادة تنظيم عمل المؤسسات الخيرية ووسائل التبرعات وإغلاق كثير من المؤسسات، وضم جميع أنواع العمل الخيري تحت مظلة تنظيمة واضحة تضبط هذه العمل من كيفية جمع التبرعات وصرفها والإجراءات والاحتياطات المتخذة بهذا الشأن.
فكثير من المنظمات الإرهابية لديها أرصدة هائلة، وكثير مما تم كشفه من مواد توضح أن لهذه المجموعات أرصدة مالية ضخمة ناهيك عن المبالغ النقدية ذاتها، فمن الطبيعي أن يتبادر السؤال من أين لهم تلك الموارد. ومنطقي، ولكن ليس سليماً، أن ممن تتوجه الشبهة نحوه هي الجهات التي تحمل توجهات ليست بعيدة أو إيديولوجية مشابهة من الناحية النظرية لعقلية الإرهابيين ولكنها تختلف معها في مسألة استخدام العنف كوسيلة. فنجد أنه في بعض دفاعات القائمين على كثير من المؤسسات الخيرية يتم إقرار ضمني بالشبهة من خلال الرد على التهمة بالتأكيد والافتخار بأن هناك صلة وثيقة بين تلك المؤسسات وتيارات الصحوة الإسلامية التي بدورها أنتجت في بعض أجنحتها متطرفين ظهرت من خلالهم القوى الإرهابية.
ويؤكد القائمون على تلك المؤسسات أن أعمالهم لم تهاجم إلا بسبب إيقاظها لروح الصحوة. إضافة إلى أن اللغة الإقصائية التي كان يستخدمها بعض من القائمين على تلك المؤسسات قبل أحداث 11 سبتمبر لا تخلو من لغة التطرف التي تدافع أو تبرر للعنف.
فإذا كانت القوى الإرهابية ظهرت من بعض أجنحة متطرفة لتيارات الصحوة كما يبدو فالاشتباه بوجود علاقة بين بعض المؤسسات والإرهاب اشتباه منطقي وإن لم يرق إلى مستوى الاتهام بعد، ناهيك عن الإدانة. وفي كل الأحوال فهذه تيارات بتقديري، ذات بعد سياسي إيديولوجي أكثر منها دينية أو خيرية، مما يلقي بظلال الشك على العلاقات الوطيدة بين هذه المؤسسات وتيارات الصحوة، فالمفترض أن الأعمال الخيرية لتلك المؤسسات هي للجميع. مثلاً، قرأت لمدير عام واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية على امتداد العالم الإسلامي في معرض دفاعه عن مؤسسته أن من أسمى أهداف المؤسسة هو نشر روح الصحوة على امتداد العالم؛ وأن الشرط الأول للمنتسبين لمؤسسته هو صحة العقيدة، وهو بذلك يقصد صحوة فريقه العقائدي، وسلامة العقيدة تحتكرها إيديولوجية فرع جانبي متزمت من طائفته أو مذهبه!
وإذا انتقلنا من مرحلة الإدانة إلى مرحلة الاتهام، فمن المهم الرجوع للجهات المدعية وما تملكه من أدلة، خاصة الولايات المتحدة، لكن الواضح أن أغلب الاتهامات مبنية على معلومات استخباراتية، ولم يتم تحديد متهمين من تلك المؤسسات الخيرية لتورطهم في دعم الإرهاب أو تمويله أو غسيل الأموال أو دعم التيارات المتطرفة أو تغذية الطائفية. وبناءً على المعلومات العامة تلك قامت كثير من الدول بإغلاق أو طرد تلك المؤسسات، لذلك لم تقم بمحاكمة أحد يعمل باسم تلك المؤسسات. إذن لا توجد إدانة قانونية واضحة أو مكتملة الإطار التشريعي ضد مؤسسات العمل الخيرية، قدر ما يوجد اتهامات وشبهات.
ولتلافي الشبهات والاتهامات فإنه من المهم أن تحدد وبدقة مسؤوليات ومهام تلك النشاطات الخيرية، فكما أن كثيراً من الجمعيات الخيرية انحازت لتيارات معينة وخصت خيراتها لها، فهي أيضاً انحازت لأعمال معينة مركزة على العمل الدعوي أكثر من بقية الأعمال، حتى أنك قد لا تفرق بين المؤسسات الخيرية والمؤسسات الدعوية، مثل دعم البرامج الدعوية وطباعة كتب مشايخ الصحوة ونشر أشرطتهم ودعم المراكز الصيفية الصحوية. ونحن ندرك أن العمل الدعوي رغم أهميته ليس ملحاً لإغاثة ملهوف أو بناء مستوصف. أما إذا قيل إن البرامج الدعوية جزء من تلك الأعمال الخيرية لدعم التنمية الثقافية فلماذا تحجب هذه الأعمال عن المعارف الأخرى من كتب ومراكز الثقافة والعلوم والأدب والمسرح.. إلخ.
أخيراً، أرى أن فلسفة العمل الخيري برمته يحتاج إلى إعادة نظر وليس نظامها المالي وحسب. فالعمل الخيري يكاد يتركز في الأنماط الدينية البحتة فقط وهذه غاية نبيلة، ولكن ليس سليماً أن يتم تجاهل أعمال الخير الأخرى كمقاومة الأمراض وحماية البيئة وبناء مراكز رياضية صحية ثقافية اجتماعية في الأحياء.. إلخ.
كذلك لا ينبغي أن ينحصر العمل الخيري في التبرع المالي فقط، فهناك العمل التطوعي الاجتماعي كمجموعات المعالجة، والتطوعي الفيزيقي كتشجير الشوارع وتنظيف المواقع الموبوءة مثلما فعلت إحدى الشركات في جازان من تنظيف بعض المستنقعات لمقاومة مرض حمى الوادي المتصدع، مساندة بذلك وزارة الزراعة السعودية.
|