تم اعتماد شهر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام كشهر للعناية بالثدي، وذلك من وزارة الصحة الأمريكية والمنظمات الصحية بالعالم الغربي. في هذا الشهر تتوجه السيدات فوق سن الأربعين إلى المستشفيات والعيادات الجراحية للكشف السنوي على الثدي وإجراء الفحص الشعاعي المامو جرام. كذلك تقام حملات توعية في أغلب وسائل الإعلام في كثير من الدول، حيث معدلات الإصابة بسرطان الثدي عالية جدا قد تصل لاصابة امرأة من كل ثماني نساء في فترة العمر. هذا التزايد في معدلات الإصابة بأورام الثدي زادت معدلاته. إن ذلك يفرض علينا جميعا القيام بإجراءات صحية وكذلك إجراءات توعية بهذه المشكلة للتمكن من التعامل معها وتحييد الآثار الضارة لهذا المرض على صحة النساء في مجتمعنا.
******
ان الثدي بالإضافة إلى وظيفته الأساسية كعضو تغذية، اكتسب ابعادا اخرى جنسية وعاطفية، وهو كذلك مظهر اعتزاز أنثوي، بالإضافة إلى قيمة الأمومة التي يمثلها.
بناء على هذه المناسبة نخصص الصفحة.
لقد تطور التعامل العلمي مع أورام الثدي كثيراً في الخمسين سنة الأخيرة، وذلك لمصلحة المريض.. وهناك نقطتان مهمتان في الاستراتيجية الطبية للتعامل مع هذه الأورام هما: الاكتشاف المبكر والعلاج المحافظ.
الاكتشاف المبكر يعني التعرف على وجود الورم في مراحله الأولية أو قبل تشكل الورم ونفاذه الى الأنسجة. هذا الكشف المبكر يعطي الجرّاح إمكانية الجراحة المحافظة التي تتعامل جراحياً مع الورم فقط دون الحاجة لإزالة الثدي، وبالتالي تختصر كثيراً من مراحل علاج الورم ومعاناتها. عند اكتشاف المرض في مراحله المبكرة يقتصر العلاج على الكتلة دون استئصال بالثدي. لفهم هذه الاستراتيجية العلاجية هناك حقيقتان علميتان في آلية تشكل الأورام من المهم التعرف عليهما: النقطة الأولى هي وقت التشكيل (Labeling time) وهو الوقت اللازم لتحول خلية سليمة في الثدي إلى ورم شرطاني. هذا الوقت يتراوح في العادة بين 11 الى 15 سنة من بداية التغير المرضي في الخلية وحتى تحولها إلى خلية سرطانية. أما وقت التضاعف (Doubling time) فهو الوقت اللازم كي يتضاعف حجم الورم وهي قصيرة جداً تقدر بحوالي ثلاثة اشهر. هذا يعني ان الطبيب والمريضة يملكان وقتا طويلاً يقدر بالسنين لاكتشاف وجود تغيرات تؤدي إلى الورم، بينما الوقت قصير جداً في حال تشكل الورم فهو يقدر ببضعة اشهر يتضاعف خلالها حجم الورم، وبالتالي يجب التعامل مع الورم بالسرعة الممكنة ولا مجال هنا للانتظار.
هذا يوضح اهمية الاكتشاف المبكر الذي يعطي الفرصة للعلاج المحافظ.
يتكون الثدي اساسا من غدد مهمتها إفراز الحليب وقنوات تنقل الحليب إلى الحلمة. تنتظم الغدد في 15 - 20 مجموعة من الفصوص في كل ثدي. لكل مجموعة قناتها الرئيسية والتي تنتهي بدورها في الحلمة. يتطور الثدي ويعمل وتتأثر خلاياه بمجموعة من الهرمونات التي تفرز من المبايض وبعض الغدد الصماء في الجسم. أهم هذه الهرمونات: الاستروجين والبروجستيرون التي تفرز دوريا من المبايض في كل شهر حتى انقطاع الدورة. مهمة الهرمونات تحضير الثدي للحمل والإرضاع الذي يتكرر شهريا. أما هرمون البرولاكتين الذي تفرزه الغدة النخامية الموجودة تحت المخ فهو مسؤول عن إفراز الحليب في الثدي بعد الولادة.
تنشأ أورام الثدي تحت تأثير ثلاث مجموعات من العوامل هي: العامل الوراثي، والعامل الهرموني، وكذلك العامل البيئي.. عشرة في المائة من أورام الثدي تقريبا تحدث لنساء لهن اقارب مصابات بسرطان الثدي كالأم والأخت و الخالة أو العمة أو بنات الخالة أو العمة. في هذه الحالات تحدث الإصابة بسبب مورثات جينية تنقل إمكانية الإصابة من جيل لآخر. لقد تم اكتشاف بعض هذه المورثات في العقد الماضي ومازال البحث العلمي جاريا لاكتشاف المزيد من هذه المورثات. خلايا الثدي حساسة جداً للهرمونات واستمرار تعرضها لهذه الهرمونات خاصة هرمون الاستروجين يزيد من قابليتها للإصابة بأورام الثدي. اما العوامل البيئة التي تساعد على نشوء أورام الثدي فهي كثيرة جداً وقد تم بحث الكثير من العوامل البيئية لتحديد علاقتها القريبة او البعيدة بنشوء أورام الثدي. هنا تجب الإشارة الى ان تغير الحياة باتجاه النمط الغربي وارتفاع المستوى الاجتماعي والاقتصادي قد يكون من أهم عوامل انتشار المرض. اما أكثر العوامل أهمية والتي ثبتت علاقتها بسرطان الثدي فهي الجنس، وهو عامل مهم، فنسبة اصابة الرجل إلى المرأة بسرطان الثدي هي 1 إلى 100. العمر عامل مهم ايضاً فالنساء في الأربعين وبعدها أكثر عرضة للإصابة بأورام الثدي من النساء في العشرينات والثلاثينات، بينما تندر الإصابة قبل هذه السن. اما العامل الوراثي فقد سبق شرح أهميته. وجود قريبات مصابات بالمرض من الدرجة الأولى او الثانية او الثالثة في العائلة تحدٍ يحتم على المرأة عناية وحرصا أكبر بالثدي. الحيض المبكر وانقطاع الدورة المتأخر يعرض الخلايا بالمرض. كذلك الحمل المتأخر بعد الثلاثين وعدم الحمل والإنجاب يعرض المرأة لنسب إصابة اكثر من المعتاد.
السمنة والتغذية بمأكولات مشبعة بالدهون عوام مساعدة على زيادة حدوث المرض. ويجب ألا ننسى ان الخلايا الدهنية في الجسم تفرز هرمون الاستروجين الذي يتميز بتأثير ضار على خلايا الثدي. التعرض للأشعة في سن مبكرة، قبل الثلاثين يزيد من احتمالات الإصابة بأورام الثدي.
توجد عوامل كثيرة أخرى تزيد من نسب حدوث أورام الثدي مثل الكحول ونوعية العمل والتوزيع الجغرافي والمستوى الاجتماعي والاقتصادي المرتفع وكذلك العادات الغذائية والحياتية التي تزيد من احتمال نشوء أورام الثدي.. أما التدخين فانه لا يزيد الإصابة بأورام الثدي ولكن يساعد على حدوث التهابات الثدي. هناك عوامل أخرى تزيد من مناعة المرأة وتقلل من احتمالات الإصابة بالورم مثل الغذاء الصحي والحمل المبكر وإرضاع الأطفال وممارسة الرياضة وتجنب التدخين والكحول وارتفاع الوعي بالعناية الصحية.
كيف تتعامل المرأة مع ثدييها وما هي الاجراءات التي يجب أن تقوم بها لتجنب المرض وعدم الاهمال في حال حدوثه وبالتالي فقدان ميزة الوقاية والاكتشاف المبكر وكذلك العلاج المحافظ؟.
بحثت طرق متعددة للكشف المبكر عن أورام الثدي في العقود الثلاثة الأخيرة وجربت في بلاد كثيرة بواسطة مراكز أبحاث مختلفة. وقد تم اعتماد نظام أثبت فاعلية عالية في الاكتشاف المبكر عن أورام الثدي وهو النظام الذي اعتمدته منظمة الأورام الأمريكية وتبعتها باقي المدارس الطبية في العالم ويتلخص في التوصيات الآتية:
- تبدأ المرأة في التعرف على ثدييها في سن العشرين، حيث تقوم باجراء الفحص الذاتي شهريا وذلك في اليوم الأول أو الثاني بعد انقضاء الدورة الشهرية، عندها يكون الثدي أقل تكتلا وحساسية واحتقانا.
- في السن بين العشرين والأربعين ينصح باجراء فحص عند طبيب أخصائي كل ثلاث سنوات بالاضافة إلى الفحص الذاتي.
- الفحص الشعاعي الأول (الماموجرام) ينصح باجرائه في السن بين الخامسة والثلاثين والأربعين. بهذا تتأكد المرأة من سلامة الثدي وتحصل على صورة شعاعية مبدئية تمكن الطبيب من مقارنتها مع أي فحص شعاعي مستقبلا وخاصة في حال نشوء أي تغير في الثدي.
- بعد سن الأربعين يجب أن تدخل المرأة في برنامج للكشف المبكر يشتمل على الخطوات الآتية:
1- القيام بالفحص الذاتي كل شهر بعد انتهاء الدورة.
2- فحص الثدي عند الأخصائي سنويا.
3- إجراء فحص شعاعي للثدي (ماموجرام) يترافق مع الفحص الطبي، ويتم تقييم الصور الشعاعية من أخصائي الأشعة ويعرض كل ذلك على أخصائي الثدي.
الفحص الذاتي هو ما تفعله المرأة بنفسها كخطوة أولى ومهمة من خطوات الاكتشاف المبكر.
وقد تجد بعض السيدات الفحص الذاتي صعبا أو مملاً أو مخيفاً رغم التأكيد على أهميته من الأخصائيين، وهنالك الكثيرات ممن يرفضن أو لا يبدين اهتماما بالموضوع بأكمله. تمت دراسة هذه الظاهرة وتبين ان السبب الأول للابتعاد عن برامج الكشف المبكر هو الخوف من اكتشاف ورم في الثدي وبالتالي مواجهته، والسبب الثاني هو الجهل وتدني المستوى العلمي ثم الاهمال والتواكل. يجب تغليب العقل واستبعاد الهلع غير المبرر الذي يعيق الاستفادة من الميزات الكبيرة للاكتشاف المبكر والعلاج المحافظ ويؤدي في حال حدوث المرض إلى اهماله وتجاهله وبالتالي إلى التأثير السلبي على صحة المرأة ومستقبلها.
وفي النهاية أحب أن أذكر ان التغييرات التي تحدث في الثدي تكون غالبا وفي أكثر من ثمانين في المائة تغييرات حميدة لا تحتاج لأي تدخل جراحي. أما في حال حدوث تغييرات في الثدي تحتاج للجراحة فإنها تقتصر على تدخل بسيط ومحدود، وهذا فقط في حال الاكتشاف المبكر. في هذه الحالة تكون نتائج العلاج ممتازة وتؤدي إلى الشفاء التام -بإذن الله- من المرض في أغلب الحالات.
*استشاري الجراحة العامة - جراحة الثدي |