حينما يبكي الطفل الصغير بالأكيد ستكون ردة فعلنا الأولى لإسكاته، سنصيح به بنبرة استنكارية عالية: ها هل تبكي مثل الطفل؟
هنا يدس له المجتمع رسالة خفية يخبره فيه بأن الطفولة هي مرحلة غير مقدرة، وبلا قيمة بل تدعو إلى الخجل والعيب ولابد أن يتخلص منها سريعاً ليصبح رجلاً قوياً وقادراً ولا يبكي، فالقيمة الوحيدة المحترمة والنمط المثال والحلم هي قيمة الرجولة (الذكورة) وما سوى ذلك فمهانٌ ويقبع في درجات دنيا، كالطفولة فالمجتمع يقول لا تتصرف برعونة كطفل، أو لا تبكي وتكون أحمق كامرأة، بينما الكلام الرصين والفعل المتين يوصف بأنه كلام رجال وفعل رجال.
هذا الإلغاء المتعمد لمرحلة الطفولة كونها مرحلة ضعيفة ودون أدوات للمقاومة، مقابل ثقافة تكرس الذكورة كونها الأقوى بالطبع كلما تدنت إنسانية المجتمعات فضلت رموز القوة والعنف على الأبعاد الأخرى والمتعددة في البشر.
عندها لابد أن ينمو الطفل وهو محمل بأحاسيس الذنب والعيب وقيود كبرى تطوق طفراته وانفعالاته وشيطنته وجميع أطوار وشقاوة طفولته، يمارسها وهو يحمل كماً وافراً من الخزي والعيب، لأنها لا تمت بصلة إلى النموذج الرجولي الأكمل القابع في مجلس الرجال.
هذا الإهمال بالتأكيد لمرحلة مهمة وحيوية من حياة الطفل يجعل الكثير من خصائص الطفولة المبكرة تغيب عن سطح ثقافة المجتمع السائدة والمتداولة، على الرغم من كونها المرحلة الأهم والأكثر تأثيراً في حياة الطفل لاحقاً التي ستصاحبه انعكاساتها إلى آخر مراحل حياته.
ولعل في ندوة الطفولة المبكرة التي تقيمها وزارة التربية والتعليم على شرف سمو ولي العهد، التي حشدت لها الكثير من أصحاب الخبرة من داخل وخارج المملكة، من خلال أوراق العمل والورش، أعادت اعتباراً لمرحلة مهمة من عمر الإنسان كانت تعاني من الإهمال والتهميش.. والتغييب.
وكل ما نرجوه هنا أن تجد توصيات هذه الندوة طريقها إلى أرض الفعل والواقع سواء على مستوى الأسرة أو المؤسسة التربوية أو المجتمع بأسره.
|