في هذا اليوم الموافق للرابع والعشرين من شهر شعبان ، ودَّع هذه الدنيا الفانية رجل حياته مثَل يجب أن يحتذى أسلوبه في حياته وترتجى له الرحمة في مماته ، انه الشيخ محمد الصالح السديس ذلك الرجل الذي بدأ حياته فلاحا ، ثم لما كسدت الفلاحة في بلده انتقل الى الخرج فترة تأسيس الزراعة هناك ، وكما يحدثني هو - رحمة الله عليه - عمل عاملا في موقع يسمى العيينة ، وأثناء ذلك كان هدفه إخراج أبناء صالحين عاملين في مجتمعهم على أسس من العلم ، فكان يرسلهم للدراسة في الرياض لما فوق المرحلة الموجودة بالخرج آنذاك ، ويتابعهم حتى انه كان يزورهم في مساكنهم كطلاب ويضع تقويما لهم في الترتيب والمذاكرة ، في الوقت الذي كان هو نفسه يطور نفسه بنفسه ، حتى أجاد الكتابة كأي متعلم يقرأ ويطلع كأي مطلع وفي نفس الوقت كان فيه جانب إنساني مهم ، فله أختان كبيرتان أصر على وجودهما معه في بيته إحداهما لم يكتب لها ذرية والأخرى لها ذرية أفاضل ، ويتمنون ان يخدموها ويبرونها ، ولكن أخاها أصر على بقائها مع أختها وصار يقضي وقته معهن ويحدثهن بأسلوب يغلب عليه العطف والرحمة ، ويلزم جميع الموجودين في منزله بملاطفتهن وقيل عنه - رحمه الله - انه كان يتناول وجباته معهن حتى أدركهن الموت ورحلن من الدنيا داعيات له ، ومقابل ذلك وسع الله في رزقه حتى وصل أسطول الناقلات له إلى ما يزيد على خانة المئات ، ورزقه الله أبناء صالحين كما كان يرجو لهم ، فمنهم من وصل إلى رتب عسكرية عالية ومنهم رجال الأعمال الناجحون.
عاش هذا الرجل ما يقرب من مائة وعشر سنوات وقد متعه الله بالسمع والبصر والسمعة الطيبة ، ولم يزده ذلك إلا وفاء وصدقا في معاملاته وعلاقاته ، كان هذا الرجل متعلقا بمؤسس مجد هذه البلاد ووحدتها الملك عبد العزيز - رحمه الله - ويتحدث عنه في كل مجلس ووثق حبه ومودته للمؤسس الباني بإنشاء مسجد جامع كبير في مدينة البدائع بالقصم ، حيث صرف عليه ملايين الريالات وأصبح معلما من معالم القصم ، وأطلق عليه جامع الملك عبد العزيز ، وتقديراً من القيادة - وفقها الله - فقد قام بافتتاحه صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - حفظه الله -.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وبارك في عقبه .. { إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
|