كل شيء يتطور لدينا، إلا نظرة للمرأة تكاد تنشطر إلى نصفين، فشق يقيس إمكاناتها الوقتية كالجمال والقوام والحسب والنسب أحياناً، وشق آخر ينظر لها كائن (يعني) حتى وإن كانت تملك مواهب وإمكانات خارقة.
بقي الود بيننا وبين زمن الجاهلية موصولاً، وذو علاقة متينة بعد أن تطورت هذه الوسيلة، لكن الشعور الكامن بقي راسخاً تجاهها. فبينما تنمو وسائل الحياة، تعلو أساليب الظلم أيضا، حيث بقيت متأرجحة حسب أعراف وتقاليد كل مدينة أو قرية، رغم أنها لا تحيد عن المفهوم العام عن المرأة، وهي بذلك تساند نفسها ضد سلطة القانون.
وقد تفاجأ بتحقيق صحفي هنا أو هناك من داخل المحاكم لنساء يتجرعن القهر، فيصيبك الهلع، ومقابل ذلك تبدو الشهادات العلمية والخبرات كلها ذائبة في مياه الوجوه والأعراف.
على ذكر هذه التحقيقات قرأت تحقيقاً صحفياً في صحيفة (الرياض) من داخل محكمة، وفي غرفة النساء غرقت الزميلة نوال الراشد ونورة الحويتي، في نهر القضايا التي كان جلها لا ينحرف عن عنوان مقالتي هذه، تنتهي بنفس النهاية، وتختلف الصور إيلاماً وتنكيلاً.
مطلقة كانت تطالب بالنفقة بعد أن اتفقت مع الزوج على حضانة ابنهما الذي لا يتجاوز الثلاث سنوات، وكي يوقف هذا الحق خطف الابن في إحدى زيارات الابن له المتفق عليها، فر به إلى منطقة بعيدة يسكنها أهله، وبينما هي تطالب باسترجاع قلبها كان القاضي قد طلب حضور الثلاثة أطراف كي يخيّر الابن بينهما، المرة الأولى حضرت الزوجة، ولم يحضر الزوج، الثانية نفس الشيء الثالثة حضر الزوج والابن وتخلفت الزوجة لمرضها فما كان من القاضي إلا أن خيّر الابن الصغير فاختار الأب تحت تأثير إغراء الحلوى التي بيده!!
القصص كثيرة، والأكثر إحقاقاً للحق، أن حتى القوانين التي تحاول تطوير نفسها تجد مرافعات مراوغة لا يشفع للمرأة وضعها الاجتماعي لمقارعتها، وهي في نفس الوقت تعتبر من أساليب الإدانة لها، لأنها لم تصبر ولم تتجرع المرارات حتى لا تلطم بإحدى الصفعات الأبدية، كظلم الأهل، أو ظلم الزوج، أو حمل لقب مطلقة أو عانس، وأخيراً آهة لكونها أنثى!!
لم تنته هذه المشاهد التي تزامنت على مخيلتي بعد بعض الزيارات لجمعيات نسائية، اجتمعن بها نساء من مختلف الأعمار والثقافات يبدين كشف حالات مريرة من الغبن، وبيدين أساهن على أحوال بائسة بفعل الأقربين من أزواج وإخوة وأولياء، فمن تطرد من بيتها ومأمنها، ومن تصبر على مدمن يمارس المعاصي على مرأى منها ومن صغاره، ولا تستطيع التذمر، لمعرفتها بويلات الطريق الطويل إلى نتيجة لن تكون بصالحها في معظم الأحوال، ومن تسلب حق لقمة العيش ونهب الأطفال الأبرياء الذين نعلم النهاية المنطقية لمثل هذا التشتت، وأن ثقافة العنف والضياع هي أقرب النتائج كردود أفعال نفسية بحتة، ومن تتعرض لسرقة ميراث من الأوصياء والوكلاء!
لم أستطع أن أجمع شيئا آخر أكثر من قياس المفهوم الفضفاض، لحقوق الإنسان والإصلاح وتطوير القضاء، وإن كانت قوانين الأحوال الشخصية، هي جوهر القضية هنا، لكونها تعيد استقامة الحياة، بمن توارثنا العرف على أنهن مكسورات الجناح، وإلى متى يبقى هذا الجناح مكسوراً أو بحاجة إلى نظرة الشفقة فقط دون الشعور بالأمان من الرجل؟
تأكدت أن العالم ينمو ويتفاعل ويحاول التطور، إلا أنه في ذات الوقت، وعطفاً على ما يتجدد على مسامعنا وحواسنا، بأن عالمنا الثالث يزداد تطوراً في جانب سلبي واحد، وهو غبن النساء!!
|