حدثتني أخت لي في الله تمارس الكتابة بعدد من الفنون الأدبية ومنها فن المقامة، وقد سررت كثيراً حينما أعلمتني أنها تكتب (فن المقامة) ورجوت أن يكون ما تكتبه فن المقامة فعلاً، وأن تكون قد خطت بها خطوة فنية أبعد من المقامات القديمة، لكنني فوجئت بقولها أن أستاذة في الجامعة وبعض الصحفيين لم يشجعوها على كتابة المقامة، ولماذا؟ لأنه فن أدبي قديم عجباً وأشد العجب، وهل ننبذ القديم لقدمه ونمجد الحديث لحداثته أم أننا نشجع الفن الأدبي الجيد والهادف؟ ثم أيهما أشد قدماً المقامة أم الشعر؟ أليس الشعر من زمن أمرئ القيس كما وصلنا وربما تكشف الحفريات أنه من زمن قبله ولا زال الأدباء يترنمون بالشعر حتى الآن؟ لقد تميزت المقامة خاصة في عصر بني العباس بأنها أدت دوراً اجتماعياً في النقد الاجتماعي إضافة إلى أنها وسيلة للفكاهة والتندر، أضف إلى ذلك ما فيها من إظهار البراعة الكلامية وإن كان التكلف في بعضها منبوذاً بلاغياً، لكن فيها درجة راقية من البلاغة, وقد سعدت بأن حللت المقامة البغدادية لبديع الزمان الهمذاني، ولم أجد تكلف السجع فيها إلا نادراً، وأتمنى من صميم الفؤاد أن تحظى المقامات بمزيد من الدراسات البلاغية والنقدية. يا أيها الاخوة نحن في زمن تحتاج فيه إلى الفكاهة لمواساتنا في مصائبنا وجراحنا النازفة، لكن فكاهة هادفة وراقية والمقامة هي أحد السبل في ذلك، وقد تمنيت لأختي الفاضلة مبدعة المقامة أن تجعل مقاماتها في النقد الاجتماعي والأدبي وربما صوراً أخرى من النقد، فهل كنت على حق؟ لقد كانت مقامات الصويلحي على نمط المقامات القديمة، لكن لم يشتهر بعد عصره أحد ربما كان هناك من يكتب كأختنا في الله، ويخشى أنه فن قديم، وأراد أن يواكب العصر ويكتب القصة الحديثة، نعم القصة فن جميل وله تقنياته الخاصة, لكن المقامة أيضاً مرغوب فيها لدى بعض الكتاب والقراء فشجعوها ولا تزجروها، وهي صورة من صور القصة في أدبنا العربي .. وتقبلوا خالص تحياتي.
*جامعة أم القرى
ص. ب 5256، جدة 21422 فاكس 6207000 |