Sunday 10th October,200411700العددالأحد 26 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الثقافية"

من مشاهير علمائنا من مشاهير علمائنا

* قراءة - حنان بنت عبدالعزيز آل سيف:
حبا الله المملكة العربية السعودية بعلماء أفذاذ، ومشايخ نوابغ، ورجال بارزين، ما ادخروا وسعاً وجهداً وعلماً في سبيل بث العقيدة الإسلامية الصحيحة، ونشر تعاليم الدين السليمة، بين أنحاء المملكة العربية السعودية، وبين أرجائها المتعددة والمختلفة، وقد وقفوا حياتهم، وتصدقوا بأعمارهم، على تعليم النشء الصاعد فنون هذا الدين وعلومه الكثيرة، كالفقه وأصوله، والحديث وأنواعه، والقرآن وعلومه قراءة وتفسيراً وتجويداً، والتوحيد الخالص من البدع والشركيات والخرافات، والعربية الصافية من اللحن والعجمة وخطأ الإعراب، وهذا إلى معارف شتى، وفنون عدة متفرعة، وقد قيض الله تعالى لهؤلاء العلماء رجالاً أفذاذاً، ونوابغ مخلصين، كتبوا عن علمهم وسعة إدراكهم وجهودهم الكثيرة، بل تناولوا حياتهم بدقة وتوسع بدءاً بالمولد والنشأة والتعليم والإمامة والآثار العلمية وانتهاءً بالوفاة وتسليم الروح إلى باريها وخالقها، وكان في هؤلاء الرجال الأفذاذ سعادة الدكتور الفاضل محمد بن سعد الشويعر، حفظه الله تعالى، وبارك في علمه وتأليفه، وانطلاقاً من أمانته العلمية والتي تفرض عليه نشر العلم وإذاعته، فقد ألف مؤلَفاً رائداً، تناول فيه بعضاً من هؤلاء العلماء المصلحين، والذين كان لهم بين ربوع بلادنا شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، صول وطول وأثر وتأثير، وقد سمى كتابه بالاسم التالي: (من مشاهير علمائنا) ولعلك أيها القارئ الكريم تلاحظ معي أن من هنا تبعيضيه، ومقصود المؤلف بدا واضحاً، حيث إنه قصد بكتابه هذا الإشارة إلى بعض منهم، لا استيعابهم كلهم، وتتبعهم جلهم، هذا وقد حفل الكتاب بالإشارة المستفيضة إلى سبعة رجال من مشاهير علمائنا، وجاء ترتيب المؤلف لهم حسب النسق التالي:
1- الشيخ محمد بن إبراهيم، 2- الشيخ عبدالعزيز بن باز، 3- الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، 4- الشيخ عبدالله القرعاوي، 5- الشيخ عبدالرحمن السعدي، 6- الشيخ محمد البواردي، 7- الشيخ حافظ حكمي. رحمهم الله تعالى، وأسبغ عليهم شآبيب وارفة، من رحمته وفضله ومغفرته، وأسكنهم فسيح جناته وعظيم جنانه.
والقادح الأصلي لزناد هذه الفكرة هو النادي الأدبي بالطائف، وهنا يقول مؤلف الكتاب الفاضل: (إنها بادرة حسنة من النادي الأدبي بالطائف، واهتمام من رئيسه وأعضائه بعلماء بلادنا البارزين، عندما طلبوا محاضرة صيفية كل عام عن علم من أعلام بلادنا - رحمهم الله -، وألقيت هذه المحاضرات في النادي، ثم جمعت وطبعت في سفر ضخم تصل عدد أوراقه إلى 287 ورقة من القطع الكبير، وبداية الكتاب كانت مع الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله تعالى، وهو عالم الديار السعودية ومفتيها ورئيس قضاتها وأجمع الكاتبون عن سيرة الشيخ محمد على أنه ولد في السابع عشر من شهر محرم سنة 1311هـ بمدينة الرياض، وحفظ الشيخ محمد القرآن في صغره، إلا أنه ابتلي بكفاف بصره، فلم يوهن همته شيء من هذا، وأرجع المؤلف الفاضل قوة عزيمته، وشدة إرادته إلى سببين اثنين: الأول، النشأة في المحيط العلمي وترغيب والده له في العلم.
الثاني: الموهبة التي خصه الله بها من ذكاء فطري، وحافظة وقَّادة.
واستعرض مؤلف الكتاب في هذه الترجمة الميمونة نشأة هذا العالم الجليل. وطلبه العلم، والفنون العلمية التي برز فيها ووصل إلى منتهاها، وجلوسه للطلبة بعد وفاة عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، وأشار المؤلف إلى جهوده العلمية في سبيل توسيع حلقة العلم والتعليم حيث قال: (تبنى فتح المعاهد العلمية في مدن المملكة وكليتي الشريعة واللغة العربية بالرياض،.... ويحضر النادي الثقافي في مساء الخميس من كل أسبوع بالمعهد العلمي بالرياض... كما تولى سماحته الإشراف على مدارس دور الأيتام في المملكة،... وعلاوة على ذلك لم يغفل الشيخ محمد الصحافة والتأليف،... فكان هو المؤسس في عام 1385هـ لمؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية، والتي صدرت عنها مجلة الدعوة)، وعرج المؤلف على تلاميذ الشيخ وذكر أن غالب علماء المملكة، هم من تلاميذه، ووصفه بقوله: (الشيخ مورد عذب، ترده الجموع من طالبي العلم، فينهلون من معينه، فيصدرون بعد ارتواء)، وحول موضوع مؤلفاته أشار المؤلف الفاضل - حفظه الله تعالى - إلى قلتها، والسبب يكمن في الأمور والمهمات التي تولاها، وكان هدفه الأساسي عليه - رحمه الله تعالى - انتقاء الرجال، والجلوس لهم تعليماً والقضاء، ومع ذلك كان - رحمه الله - مقدراً للعلماء، عارفاً بقدرهم ومقدرتهم، وكان دمثاً حسن الخلق محباً للنادرة، وهو يتذوق الشعر حفظاً واستشهاداً، ويقرضه على طريقة العلماء، فقد رثى الشيخ عمر بن سليم بأربعة أبيات، وله مرثية في عمه الشيخ عبدالله بن الشيخ عبداللطيف تبلغ خمسة وخمسين بيتاً، وبعد حياة حافلة بالدرس والتدريس، والعلم والتعليم، والجهد والاجتهاد، كانت وفاته عام 1389هـ، وقد بكت الدنيا حزناً على عالمها الفذ، وشيخها الوقور، وممن رثاه تلميذه صاحب المعالي، الشيخ راشد بن صالح بن خنين، جاء فيه:


أشمس الكون قد منيت بخسف
أم البدر المنير علاه غيم
أم الشيخ الجليل قضى لنحب
فغيب في الثرى علم وحلم
وليس فراقنا للشيخ سهل
ولكن الفنا للخلق حتم

والوقفة الثانية في الكتاب كانت مع الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي المملكة العربية السعودية، وفي خضم قول مؤلف الكتاب عن شخص سماحة الشيخ ابن باز وشهرته الواسعة ألمح إلى ناحية مهمة وهي قوله (الأغرب من ذلك أنه لم يحمل بطاقة تثبت هويته، لكن عمله وصل القلوب.
فكان علماً يشار إليه بالبنان، وعالماً ينهل العالم وغير العالم، من مورده العذب لما منحه الله من علم فياض وحافظة يندر مثيلها).
وقد ولد الشيخ بالرياض عام 1330ه وابتلي بفقد بصره، واستعرض المؤلف في هذه الترجمة الطويلة شيوخه وهم كثر ولعل من أبرزهم سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم الذي لازم حلقاته نحواً من عشر سنوات، وتلقى عنه جميع العلوم الشرعية، ثم تناول الكتاب أعماله ومؤلفاته وصفاته وأخلاقه، ومكانته عند العلماء، ومنهجه في الفتوى، ثم وفاته التي كانت فجر يوم الخميس 27 محرم 1420ه، حيث فاضت روحه مع صوت المؤذن للفجر، بدون ألم، وكان رحمه الله تعالى قد تجاوز التاسعة والثمانين من عمره.
والوقفة الثالثة في الكتاب كانت مع سماحة الشيخ محمد بن عبدالعزيز المانع، لأنه كان رحمة الله عليه، رائداً من رواد العلم والتعليم في المملكة العربية السعودية، وفيه يقول المؤلف:
(والشيخ محمد بن مانع الذي وكل إليه الملك عبدالعزيز - رحمهما الله - مهمة الإشراف على التعليم في المملكة فترة من الزمن، واحد من علماء هذه البلاد الذين اهتموا بالعلم وبذلوا طاقتهم في نيل المراتب الرفيعة منه متابعة وشداً للرحل، بدافع الهمة وحب العلم لذات العلم، حيث بذل في سبيله أقصى ما يستطاع من جهد وتغرب عن الأوطان، إرضاء لنهمه في نفسه، وحباً في الارتقاء درجات في المكانة العلمية)
وولد هذا الشيخ الجليل في عام 1300ه، وحين تناول المؤلف نشأته ذكر أنه نشأ في بيت علم وفضل، حيث تأصلت في قرارة نفسه جذور الأدب، مع مخائل الذكاء، وألمح الكتاب إلى رحلته في سبيل طلب العلم، وشيوخه وتلاميذه وعن جهوده في مجال العلم والتعليم فقد كان حريصاً على تلاميذه، وعينه الملك عبدالعزيز مسؤولاً عن إدارة المعارف، ومسؤولاً عن التعليم بالمملكة، وفتحت عشرات المدارس في وقته، وأدخل كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب في مناهج التعليم على حسب المستويات.
والوقفة الرابعة كانت مع مجدد الدعوة في جنوب المملكة وهو الشيخ عبدالله القرعاوي - رحمه الله تعالى.
والوقفة الخامسة من وقفات الكتاب كانت مع عالم القصيم الكبير وزاهدها الورع الشيخ عبدالرحمن السعدي عليه رحمة الله تعالى.
والوقفة السادسة في الكتاب كانت مع الشيخ محمد البواردي وهو عالم وشاعر اشتهر بالمرح وحب الدعابة وعرف بهما. ثم كانت آخر وقفات الكتاب وهي السابعة مع فضيلة الشيخ حافظ الحكمي نابغة الجنوب وعلمها النحرير الفذ.
وبعد.. فقد أشبع المؤلف - حفظه الله تعالى، وبارك في عمله، علماء كتابه وأعلام رسالته، دراسة وبحثاً وتمحيصاً ومناقشة وترجيحاً، وقد وفى هذه التراجم حقها من كثرة المعلومات، وفائض الفوائد، ولم يكن ناقلاً فحسب، بل كان مناقشاً بارعاً في استعراض أقوال أهل العلم في هذه الشخصيات السبع، ومرجحاً لأقوى الأدلة في المبحث الذي هو بصدد الحديث عنه، كما أنه كان ينبه الباحثين والدارسين ولا سيما طلاب مرحلة الدراسات العليا إلى جوانب مهمة في هذه الشخصيات لم يدرسها أحد ولم يتطرق إليها باح.
وحينما كان يقرأ في مراجع المادة ومصادرها، عمد إلى المفاضلة بين معلوماتها وأيها يعطى عن المترجم له معلومات أوفى وأدق.
كما أنه كان يستدرك كثيراً من المعلومات التي يغفلها كتاب، ويشير إليها آخر، ويبدو من طريقة المؤلف الفاضل التي انتهجها في بحثه هذا أنه كان يقرأ كل ما كتب عن هذه الشخصيات مما وقعت عليه عينه من الكتب والمؤلفات، بل إنه كان دائم البحث عن مصادر أخرى عنيت بهذه الشخصيات كالمجلات العلمية, والصحف الثقافية، وحظي الكتاب برصيد شعري قيل في مدح هذا العالم أو ذاك، أو رثاء وتأبين قيل في هذا العالم أو ذاك، وطريقة تناول التراجم جاءت منسقة على الترتيب التالي:
مقدمة للمؤلف يفتتح بها ترجمة الشخصية، ولادة الشخصية ونسبها وتنشئتها وتربيتها، وتعليمها الذي يضم المشايخ والتلاميذ، وآثار المترجم له العلمية، وأخلاقه وصفاته، وشعره إن كان له نتاج شعري
وهكذا حتى يصل المؤلف إلى وفاة المترجم له، كما حرص المؤلف على الربط بين شخصيات كتابه، كما حدث بين الشيخ عبدالله القرعاوي، والشيخ حافظ الحكمي رحمهما الله تعالى، ولغة الكتاب واضحة سلسة مترابطة تزاوج فيها الأسلوب العلمي مع الأسلوب الأدبي الذي تخللته التشبيهات والصور البيانية، وطُرز وزُين بالأمثال السائرة، والأشعار الذائعة.
حفظ الله المؤلف، وحفظ علمه وتآليفه، وما زال ذهنه وقّاداً، وقلمه سيّالاً، وسعيه مكللاً بالنجاح والفلاح والازدهار.
عنوان المراسلة:
ص ب (54753) - الرياض (11524)


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved