جميل أن يكتب المرء في جوانب الحياة بمختلف ألوانها وأشكالها.. ويقدم للأمة أطروحات قيمة نافعة.. وكل بحسب مجاله وتخصصه.. لكن أن يخوض الكاتب في مواضيع لا يتقنها، فلا بد أن يقع في المغالطات والتناقضات!! وهذا ما طالعته مع الأسف في العدد 11693 صفحة مقالات بعنوان (نحن والزهد) للكاتب الكريم محمد آل الشيخ.. حيث كتب أخونا عن تخلف الأمة الإسلامية والعربية حضارياً وثقافياً.. وقد خانه التعبير حينما أرجع سبب ذلك إلى مفهوم (الزهد في الدنيا)!!.. فقال:(إن مفهوم الزهد في الدنيا وتحقيرها أساس من أسس التقوى في المفهوم السلفي مع الأسف!!) وبيّن أن الزهد يعني هجر الدنيا بالكلية والإنشغال بالعبادة فقط وأن هذا هو سبب تأخرنا عن ركب التقدم!!.. فأقول إن الكاتب وقع في الخلل في فهم معنى الزهد الحقيقي في الإسلام وبنى على ذلك المفاهيم الخاطئة حيال هذا الأمر.. والزهد صفة حميدة يمتدح بها المسلم، وقد حث عليها الشرع، فقال صلى الله عليه وسلم:( ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس) وليس معنى الزهد كما فهمه الكاتب بأنه رفض الدنيا بالكلية..!! بل أن تكون الدنيا وزينتها بيدك لا بقلبك.. وهذا ما عليه أئمة الزهد من الأنبياء والصالحين فهم مع زهدهم ملكوا الدنيا وحكموها ولكنها في أيديهم لا في قلوبهم فهذا معنى الزهد الحقيقي.. وقد حث الله على التقرب إليه بالطاعات مع عدم إغفال الجانب الدنيوي بقوله جل وعلا:{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.
وقد أخطا الكاتب أيضا حينما وصف الزهد وقال:( أنه نقيصة بمنطق الحضارات وبكل ما تحمله الكلمة من معنى)! فهل ينتقص والعياذ بالله من يتصف بصفة حث عليها الشرع؟! أم أنها الإنهزامية أمام خيال الحضارات الزائفة؟! ولنا أن نسأل أخانا عن أي منطق للحضارات يتحدث؟ والذي انتقص من خلاله صفة اتصف بها الأصفياء والأتقياء..! ونحن مسلمون نعتز بحضارتنا وقيمنا وشريعتنا.. وإن لم تعجب الآخرين!!.. أيضاً قال الكاتب:(أن هناك نصوصاً وأقوالاً مأثورة ترفع من شأن الفقر.. وأن من معاني الزهد الرئيسية الزهد بالمال وعدم الإكتراث به.. وكيف نصنع حضارة ونحن نقلل من شأن المال).. وتعجبت من هذا الفهم للزهد في المال ورفع شأن الفقر!! فمن أين جاء بهذا الفهم؟! وقد حث الإسلام على العمل وكسب الرزق.. وسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الكسب فقال:(بيع مبرور وعمل الرجل بيده) ولم يمنع حب ابي بكر لملازمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج إلى بصرى متاجراً.. والأدلة كثيرة في الحث على العمل والكسب وذم البطالة والكسل.. وأما ما ذكر من أحاديث الفقر والفقراء فهو لتسليتهم فيما ابتلاهم الله به وحثهم على الصبر ليغنموا الأجر وليس امتداحاً للفقر.. وقد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لخادمه بقوله (اللهم كثر ماله) وكيف يحث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصدقة والإنفاق وهي لا تكون مع الفقر.. وكما في الحديث إنه يغبط من آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته بالحق.. إذاً هل كان مفهوم الزهد في الإسلام سبباً في تخلف الأمة أم أن صاحبنا لم يوفق في ذلك!! وعلى التسليم في أن ما ذكره صحيحاً حول مفهوم الزهد.. نقول إنه ليس هناك نماذج على الوجه الذي ذكره الكاتب تسببوا في تأخر الحضارة وتخلفها!! ولو كان هناك قادة او وزراء أو مسئولون سلكوا هذا المسلك بمفهومه الخاطئ.. لقلنا إنهم أخروا التقدم لمواقعهم ومناصبهم التي تسمنوها.. بل الحق أن التخلف والتأخر في إلقاء الملامة في تأخرنا على أسباب وهمية.
وكان الأجدر أن يطرح الكاتب على نفسه هذه الأسئلة وسيتضح له سبب التخلف وأنه لا علاقة للزهد في تلك لا من قريب ولا من بعيد!!.
أولاً: كم عدد المراكز في العالم العربي والإسلامي التي تعنى باكتشاف الموهوبين وصقل مواهبهم وتهيئة المعامل الخاصة لهم مقارنة بعدد الملاهي والمراقص المنتشرة!!
ثانياً: كم هي المعاهد في عالمنا العربي والإسلامي التي تهتم برعاية المخترعين وتوفير المراكز المناسبة لهم وتدعيمها فيما يساهم في تقدمنا حضارياً مقارنة بعدد الملاعب والصالات الرياضية!!.
ثالثاً: كم عدد المراكز الثقافية المتقدمة التي تحتضن المواهب المتميزة وتوفر لها الأجواء المناسبة التي تساهم في تطويرها.. مقارنة في الاهتمامات الفنية والغنائية في مختلف العالم العربي والإسلامي!! أم أن الزهد منع من توفر مثل هذه المراكز والمعاهد..!!.
واخيراً أرجو أن أكون قد وفقت في إيصال السبب الحقيقي لتخلف العرب والمسلمين حضارياً وثقافياً لاخينا الكاتب.. وان الزهد في الإسلام بريء من ذلك براءة الذئب من دم يوسف..
نسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا.. وأن يجعل ما أتانا من مال ورزق في أيدينا لا في قلوبنا..
وأشكر (العزيزة) على أتاحة الفرصة للتعقيب.. والسلام.
عبدالعزيز بن عبدالله السعدون/بريدة
|