وضعت خطة لسلسلة من المقالات تحت عنوان قطار إلى باكستان، عنوان مغر بالنسبة لي يشبه كثيراً من العناوين التراثية التي تحس أنها تشير إلى صراعات تراوح بين الحقيقة والأسطورة مثل طريق الحرير وطريق التوابل وسمرقند والحشاشين وغيرها من العناوين الضاجة بالماضي.
لم تتبلور في دماغي نهاية هذه السلسلة هل تكون ثقافية فكرية أم أدبية فنية خالصة. فالكتاب الذي جاء بهذا العنوان إلى وعيي لم يتمكن من حسم المسألة في داخلي. لم يقدم لي ما يكفي من معلومات للترجيح. غاص الكتاب في القرية التي بدأ منها ولم يخرج كثيراً من فضاء الصراعات المحلية والقلق السياسي إلى الفضاء الإنساني حتى وإن تخلله كثير من الملامح الرائعة والمشاهد الإنسانية. تتعرض هذه الرواية لفترة من أهم الفترات في التاريخ الإسلامي وهي فترة انفصال باكستان عن الهند، الفترة التي تم فيها توزيع الناس بناء على هوياتهم الدينية. تبدأ بعرض لحياة الناس قبل أن تدخلها السياسة وتنتهي عندما تأخذ السياسية مداها.
لم يشر المترجم متى صدرت هذه الرواية في لغتها الأصلية. هل كتبت أثناء التحولات التي كانت تجري في تلك الفترة حيث جاءت متأثرة بالأجواء الصاخبة في تلك الفترة أم أنها كتبت بهدوء بعد أن حقق السياسيون ما أرادوا؟. فرغم أن المنطقة لعبت دوراً كبيراً في حياتنا كسعوديين إلا أنها تبقى مجهولة لا يوجد في ثقافتنا عنها سوى بعض فسيفساء عاطفية تطمس سياق هذه الشعوب التاريخي والثقافي وتضيفها إلى الجنة الموعودة التي قدمها الجهاديون للشباب المسلم.
تدور أحداث هذه الرواية في قرية هندية صغيرة بعيدة عن كل شيء يسكنها عدد من الأسر المسالمة وإن انقسمت في دينها بين الإسلام والسيخية. ومن أهم ما يميزها أنها لم تكن أبداً عرضاً تاريخياً للصراع كما لم تكن أبدا عرضاً سسيلوجياً لأرضية الصراع وإنما جاءت كرواية حاول مؤلفها أن ينتزع الجانب الإنساني المتبقي من صخب السياسة. حاول أن يهبط بالصراع إلى أدنى خطوطه وهو الصراع بين الإنسان ومحيطه الصغير. مثل علاقات الحب والسرقة وطلب العيش وغيرها مما يشغل الإنسان في حيواتهم اليومية حتى يأتي الحدث الكبير الذي يصنع في مكان بعيد ولمصلحة ناس لا يعرفهم ولا يعرفونه يقتلعهم ويجعلهم أداة ووقوداً لهذا الصراع.
الشيء الذي لفت نظري بعد أن قرأت هذه الرواية ليس فقط عنوانها الإيحائي ولكن موضوعها الإنساني، الإنسان الباكستاني نفسه في أبسط صوره بعيداً عن الجهاد والتفجيرات والقنبلة النووية الإسلامية وغيرها مما يشكل مادة الأخبار. ذلك الإنسان وهو يأكل ويشرب ويحب ويتزوج ويمرض ويموت. ما المدى الذي أعرفه عنه وإلى أي مدى تضغط عليه الأحداث العالمية التي تربطني به. من الصعب أن تجد كتابا واحداً بالعربي يمكن أن يمدك بمعلومات عن باكستان كبشر كإنسان يعيش يأكل ويشرب. التواصل بيننا وبين باكستان يبقى دائما تحت سلطة السياسة أو التطرف الديني. نحتج على الغرب عندما يصنفنا في أساطيره واستشراقاته دون أن نحاول أن نبذل أي جهد لنعرف الشعوب التي ندعي أنها عمقنا الاستراتيجي، حبسنا باكستان في نمطية معينة ومحددة وأي تعامل معه لا بد أن يتم خلال هذه النمطية فما نعيب به الآخرين نمارسه نحن ضد آخرين من جهة أخرى.
فاكس : 4702164
|