Saturday 9th October,200411699العددالسبت 25 ,شعبان 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

سلطة الصحافة وصحافة السلطة سلطة الصحافة وصحافة السلطة
هل هناك تحوُّل حقيقي في دور الصحافة السعودية؟
د. علي بن شويل القرني ( * )

تشرفت بتقديم الورقة الرئيسة في ندوة (المصداقية بين الأداء الحكومي والأداء الصحافي) التي نظَّمها الإعلام التربوي بوزارة التربية والتعليم، ورعاها معالي الأستاذ الدكتور محمد الأحمد الرشيد، وشاركني في التعقيب والمداخلات النوعية كلٌ من الزميل الدكتور سعود المصيبيح الإعلامي اللامع بوزارة الداخلية، والزميل الأستاذ عبد العزيز العقيلي مدير التحرير بصحيفة الوطن.. وربما للفائدة العامة أختزل عدة صفحات عامة من هذه الورقة البحثية.. وهذا هو الجزء الثاني من هذه الورقة.
الحرية الإعلامية
هناك علاقة ترابطية بين طبيعة النظام السياسي وبين طبيعة النظام الإعلامي، فالنظام السياسي يهيىء المناخ، ويتيح الفرص لنشوء نظام إعلامي مناسب.. ولهذا فإن النظام السياسي والاجتماعي، هو الذي يعرف الإعلام ويحدد شكله ومضمونه.. وعندما تختلف الأنظمة السياسية تختلف معها -عادة- الأنظمة الإعلامية.. وحرية الصحافة أو الإعلام في أي مجتمع هي امتداد للفلسفة والرؤية الاجتماعية التي تولّدت في ذلك المجتمع.. ويمكن إجمالاً وضع عدد من المعايير التي تحدد طبيعة ومفهوم حرية الإعلام:
* انفتاح المجتمع من خلال تدفق حر للمعلومات.
* تمكُّن ووصول الجمهور إلى معلومات داخلية وطنية وخارجية عالمية.
* وصول وسائل الإعلام إلى المصادر والمعلومات التي تحتاجها، بما فيها معلومات عن - ومن الحكومة.
* توفُّر كافة أنواع المعلومات إلى الإعلام، وإلى الجمهور.
* الأهمية التي تحظى بها وسائل الإعلام والاهتمام بحرية الوسائل.
وتعد فريدم هاوس Freedom House سنوياً تقارير عن مستوى الحرية التي تتمتع بها وسائل الإعلام في مختلف دول العالم.. وفي تحليل عن تقرير عام 2000م، اتضح أن 33% من دول العالم اعتبرها التقرير دولاً غير حرة، و27% تمتلك حرية جزئية، والباقي (40%) اعتبرها التقرير دولاً حرة، وأوضح التقرير السنوي لفريدم هاوس لعام 2003م، أن الحريات تقع تحت تهديد من معظم دول العالم.. وخصوصاً الدول النامية، وبشكل خاص الدول الآسيوية.. وقد تصدَّرت فيلندا دول العالم في قائمة الدول الأكثر حرية للإعلام، تلتها أيسلندا والنرويج وهولندا.. ومن الملفت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن بين الدول العشر الأكثر حرية في العالم، بل جاء ترتيبها السابعة عشرة، وجاءت المملكة المتحدة الثانية والعشرين بين دول العالم.
وإذا تفحصنا الجدول التالي الذي اقتصر على الدول العشر الأولى الأكثر حرية في العالم، لوجدنا أن معظم هذه الدول هي دول إسكندنافية، ودول تقع شمال أوروبا، حيث تمتلك هذه الدول تقاليد عريقة في حرية الصحافة على مرّ العقود الماضية.
الدول العشر الأولى الأكثر حرية إعلامية في العالم
الدولة الترتيب
فيلندا 1
أيسلندا 2
النرويج 3
هولندا 4
كندا 5
أيرلندا 6
ألمانيا 7
البرتغال 8
السويد 9
الدانمارك 10
ومن خلال المراجعات العلمية والأفكار العامة، والدراسات المتخصصة، يمكن الاستنتاج بأن المؤسسات الإعلامية تقوم بوظائف عديدة ومتنوعة، حسب طبيعة الدور المُعطى لهذه الوسائل في المجتمع، وقد تبنت هذه الدراسة أربع حالات، أو تصنيفات يمكن من خلالها تحديد علاقة وسائل الإعلام بالمؤسسات الاجتماعية، وهذه الحالات، هي السلطة الرابعة، والإعلام الموجَّه، والإعلام الإقناعي، والإعلام المدني.
السلطة الرابعة
من الأدوار التي تمَّ تناولها منذ القرن الثامن عشر مفهوم السلطة الرابعة للصحافة Fourth Estate، وتعني أن سلطة الصحافة تتنافس مع باقي السلطات في المجتمع.. ويشكل هذا المفهوم أساساً لمفهوم أكثر حداثة منه نما خلال العقود الماضية، وهو وظيفة (كلب الحراسة) watchdog، والذي يضع للصحافة والإعلام دوراً محورياً للنيابة عن الشعب في متابعة وحراسة المؤسسات الاجتماعية الأخرى.
وعلى مستوى الواقع يتجسد هذا الدور في المساءلات المستمرة لأداء الحكومات، والمجالس القضائية، والتشريعية في المجتمعات، وتعريف المواطنين بطبيعة العمل والنشاط اللذين تمارسهما هذه الأجهزة.
الإعلام الموجَّه
كما أوضحت الأدبيات السابقة، فإن مفهوم الصحافة والإعلام في النظريتين السلطوية والشيوعية يتمثَّل في أن تعمل وسائل الإعلام في إطار دور ناقل لكل ما تتوجه به الحكومات والأحزاب الحاكمة إلى مواطنيها من إيديولوجيا، وسياسات، وبرامج وتعليمات، وهذا ما يمكن أن نصفه بالإعلام الموجَّه من السلطة.. وكان وليام رو الدبلوماسي والأكاديمي الأمريكي قد أشار إلى أن من بين أنواع الصحافة العربية الصحافة الموالية Loyalist press وقد حدد بعض معالم هذه الصحافة في عدد من النقاط:
* تدرك الصحافة ووسائل الإعلام ما ترغبه الحكومات من خلال الخبرات المتراكمة من العمل الإعلامي.
* التأثير والنفوذ الحكومي وارد من خلال التعيينات الرسمية لرئاسات التحرير ومسئولي الإعلام الذين يقومون بدور إدارة العمل الإعلامي وفق الخط الرسمي.
* تعمل وكالة الأنباء الرسمية على إرسال إشارات معينة تعكس الرأي الرسمي للدولة، وتقوم وسائل الإعلام الأخرى بتبني هذا الدور.
* تنظم الحكومات اجتماعات دورية مع القيادات الإعلامية بصفة خاصة، أو معلنة لتمرير السياسات الحكومية وتبنيها من خلال وسائل الإعلام.
الإعلام الإقناعي
تسعى وسائل الإعلام - على اختلاف اتجاهاتها- إلى أن تنجح في الدور الإقناعي المُناط بها، وتتساوى في هذا الدور مختلف الوسائل الإعلامية سواء كانت تحت مظلة سلطوية، أو ليبرالية.
وتعتمد الوسائل على إستراتيجيات متنوعة في الإقناع حسب المنهجيات المتاحة لهذه الوسائل.
ويمكن إجمالاً تصنيف هذه الوسائل الإقناعية إلى قسمين، قسم يتعامل مع الإقناع المباشر، وقسم آخر يتعامل مع الإقناع غير المباشر، ولكن الاختلاف يكمن في مضمون الحملات الإقناعية، فبينما تسعى وسائل الإعلام في المجتمعات الشمولية (السلطوية، الشيوعية، التنموية) إلى تفعيل دور الإعلام كأداة إقناعية لسياسات وبرامج الحكومات والمؤسسات الاجتماعية، تجد وسائل الإعلام الليبرالية أنها تتوجه إلى درجة أقل في تبني هذه الوظيفة، وتتجه ألا تكون ضمن أدوات السلطة التي تسعى إليها لتمرير سياساتها وبرامجها.
الإعلام المدني
تُمثِّل الصحافة المدنية civic Journalism تطوراً جديداً في وظائف الصحافة، وتأتي كردة فعل للنقد الذي يوجه ضدها من مختلف الجماعات والثقافات، وهذه الوظيفة بشكل أساسي تصب في إطار الدور الاجتماعي لوسائل الإعلام، وتحديداً الأفكار الرئيسة التي طرحتها نظرية المسئولية الاجتماعية.. وقد راجع جوناراتن الأدبيات العامة في هذا الموضوع، ولخَّصها في النقاط التالية:
* محاولة وصول الصحافة ووسائل الإعلام إلى الجمهور بشكل مكثف عبر الأخبار والتقارير والتحقيقات، ومحاولة إعطاء فرص مستمرة للمواطنين كي يعبِّروا عن آرائهم واتجاهاتهم ومطالبهم واحتياجاتهم عبر هذه الوسائل.
* تعزيز الوظيفية التفاعلية للإعلام مع الجمهور، بإتاحة الفرصة لأن تكون وسائل الإعلام صوتهم الذي يعبِّر عنهم.
* حركة داخل الإعلام للتحقيق وإعادة التحقيق في الحياة العامة، بمختلف مستوياتها ومجالاتها، وهذا يتم من خلال إشراك المواطن في عمل جماعي لتنمية وتطوير أداء المؤسسات الاجتماعية.
الخلاصة
عرض النموذج المقترح في هذه الدراسة لأربعة توجهات اجتماعية تؤسس لدور إعلامي متوقع من وسائل الإعلام في المجتمعات.. وهذه التوجهات هي: السلطة الرابعة، الإعلام المدني، الإعلام الموجَّه، والإعلام الإقناعي، ومن خلال التطبيقات العملية لهذه الدراسة التي تمَّت على صحيفتي الجزيرة والرياض، وبناء على ما أفرزته أدبيات الدراسات الإعلامية عامة، وما أشارت إليه أدبيات الدراسة الصحافية عن الإعلام السعودي، تضع هذه الدراسة بعض الملاحظات عن الإعلام والصحافة السعودية يمكن إجمالها على النحو التالي:
1 - تشير تطبيقات هذه الدراسة إلى أن معظم التغطيات الخبرية والتقريرية والمقالية تنضوي تحت مظلة الاتجاهات الإيجابية نحو القطاعات الخدمية في المجتمع، وقد وصلت هذه النسبة إلى حوالي 65%.. وهذا يعكس موقفاً متوقعاً كون الصحافة تسعى إلى تبني مواقف إيجابية نحو السلطة التي تمثلها القطاعات والإدارات المختلفة في الدولة.. وهذا الموقف ينتظم مع فكرة الإعلام الموجَّه.
2 - هناك تحوُّل تدرجي في تخلي الصحافة عن التوجهات الإيجابية نحو القطاعات الإدارية الخدمية في المجتمع، فقد وصل مجمل التغطيات الإيجابية قبل أحداث 11 سبتمبر أي عام 2001م إلى حوالي سبعين في المائة، ولكنها انخفضت عام 2004م إلى أقل من ستين في المائة، وهذا يعكس ربما تحوُّلاً نوعياً تدرجياً في سياسات الصحافة والإعلام السعودي.. ويظل التأكيد هنا على أن هذا التحوُّل لم يعن تحوُّلاً نحو التغطيات النقدية (السلبية)، بل صب في زيادة مضاعفة من التغطيات المحايدة.
3 - لا يزال ظهور الصحافة السعودية كصحافة تنموية واضحاً، أكثر من غيره من المجالات، وتحديداً التنمية الخدمية في المجتمع، وكما تشير إلى ذلك نتائج هذه الدراسة فان نسبة ثلث التغطيات تصب في إطار التغطية والمعالجة الخدمية في المجتمع.
4 - بالنسبة إلى المرجعيات الإعلامية من المصادر والشخصيات العامة في المجتمع، تشير هذه الدراسة إلى أن المصادر العليا في الدولة من ملكية وأميرية ووزارية وصلت إلى نسبة حوالي عشرين في المائة، بينما كانت نسبة مصادر الإدارات العليا والوسطى والدنيا حوالي أربعين في المائة، مما يعكس أن القطاع الرسمي في الدولة يحتل ستين في المائة من المرجعيات الإعلامية، وهذه نسبة عالية تأتي في إطار التوجه الرسمي للصحافة والإعلام السعودي.
5 - لاحظت الدراسة الحالية أن الصحافة أتاحت الفرصة للمواطنين أن يعبِّروا عن آرائهم ومواقفهم من القطاعات الإدارية في الدولة، وقد وصلت هذه النسبة إلى أكثر من ثلاثين في المائة من مقالات ورسائل المواطنين.. وهذه النسبة تعكس جانبين، أولهما: أن معظم التغطيات النقدية التي تنشرها الصحافة تأتي من المواطنين، ولا تأتي بمبادرات من الصحف في تغطياتها الإخبارية، ولم تزد نسبة الاتجاه السلبي في الأخبار عن 8% والتقارير والتحقيقات عن 13%.. وهذه الإسهامات تصب في إطار فكرة سلطة الصحافة في المجتمع.. وكلما زادت هذه النسبة كلما فعلت الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى دوراً كسلطة رابعة مؤثرة في المجتمع.
6 - تعكس الصحافة السعودية توجهين فيما يتعلق بالدور النقدي لها، فبينما تتجه المحتويات التي تتضمنها الصحيفة من أخبار وتقارير وتحقيقات في جانب إيجابي، تتبنى المقالات ورسائل الجمهور والكاريكاتير جوانب أكثر نقدية من غيرها.. وهذه ربما تكون إستراتيجية صحافية، تحاول أن ترضي طرفي المعادلة الوطنية في مشروع التنمية، المسئول والمواطن.

رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال /أستاذ الإعلام المشارك بجامعة الملك سعود


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved