حذرت في مقالة سابقة من مغبة ترك الحبل على الغارب لظاهرة غزو مدرجات الملاعب بالتماثيل ومجسمات الحيوانات المفترسة مثل الأسود والنمور والتماسيح وغيرها.
** وكان مبعث تحذيري ذاك هو الخشية والتوجس من تنامي ذيول وتداعيات وإفرازات تلك الظاهرة مع مرور الوقت.. لاسيما ونحن أمة مسلمة لها ثوابتها ومسلماتها ومحاذيرها، والتي منها (إن من وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام).. وأشرت إلى أن من مخاطر التمادي في عدم ضبط الظاهرة في بداياتها هو استسهال واستمراء العامة من محدودي التعليم وصغار السن في التكيف معها، ومن ثم تطويرها شيئاً فشيئاً عن قصد أو غير قصد إلى أن تتحول إلى أمر واقع، وإلى قناعات أخرى ذات أبعاد عقائدية.. فقد قالت العرب قديماً (معظم النار من مستصغر الشرر).
** ولعل من أولى بشائر وبركات الظاهرة (المبتكرة) محلياً إقدام إحدى الصحف مؤخراً على نشر أحد الرسومات الكريكاتورية في وضع يفترس فيه النمر حماراً.. وكلاهما- أي النمر والحمار- يرمزان إلى ناديين من أنديتنا الكبيرة والعريقة دون حياء أو خجل، أو حتى اعتبار لمشاعر القراء فضلاً عن مشاعر أنصار النادي (الحمار) والبقية تأتي(؟!!).
** ان التساهل الفردي والجماعي والأُسري وحتى الرسمي، وغياب الرادع قد أغرى هؤلاء وغيرهم على التمادي في ممارسة ذلك القبح بكل أريحية.. وهو الذي سمح لذلك اللاعب (الدولي) بوضع صورته التي هي عبارة عن (مسخ) يجمع بين جسم إنسان ورأس حيوان يسير على (أربع) كواجهة لموقعه على الانترنت.. سبحان الله.. ربنا عز وجل خلقنا فأحسن صورنا.. وكرم الإنسان على بقية المخلوقات.. وهؤلاء يتمردون على هذا الشرف (؟!!).
** لم أشاهد ضمن ما شهدت من مباريات منقولة من كافة أصقاع الدنيا، ومن مختلف الثقافات والأديان والمعتقدات من يحمل مثل تلك التماثيل كرمز لناديه أو للاعبه المفضل، رغم الانحلال والتفسخ الأخلاقي والروحي الذي يضرب أطنابه في أعماق الكثير من تلك المجتمعات.. مما يتيح لمرتادي المدرجات هناك فرصة ممارسة ما شاء لهم من عبثيات.. بعكسنا تماماً نحن المجتمعات الإسلامية المحافظة، والملتزمة بالآداب والضوابط المحمدية التي لا تقبل التعامل بأي شكل مع أي نوع من أنواع التماثيل.. ناهيك عن تداولها كرموز وشعارات قد تبلغ مع مرور الزمن مرتبة التعظيم والقداسة (والعياذ بالله).
** إن مسؤولية قيادتنا الرياضية كبيرة، بل وعظيمة في هذا الجانب.. وأرى بكل ما أحمل من تواضع أن عليها عرض المسألة على علماء الدين.. فإن رأوا جواز تعاطيها فالحمد لله ولم نخسر شيئا.. أما ان رأوا عكس ذلك فالأمر يومئذ لله ثم للعلماء وللقيادة.. بعد أن يكون قد برأ كل جانبه وساحته من وزر ومن تبعات الظاهرة حاضراً ومستقبلاً.
** اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد.
متى أصبح التخلي عن السوءات مِنّة؟!
** لا أحد فينا يكره سيادة الاحترام، وتفشي روح المحبة والتسامح بين شرائح المجتمع وخصوصاً من وسطنا الرياضي المتلاطم.. إلا قلة قليلة ما انفكت تعمل على استغلال الانفتاح الإعلامي أسوأ استغلال.. وذلك من خلال الترويج لأساليبها وتقلباتها، وتسويق ذاتها بطرق مختلفة رغم بلادتها (؟!).
** فبعد أن كانت الإساءات والتطاول على المنافسين وعلى اللجان والاتحادات، وعلى عباد الله أفراداً وجماعات بمن فيهم الحكام بضاعة رائجة تثري نهم (مطافيق) الصحافة.. ويسيل لها لعاب أرباب التعصب الأعمى من ذات الطينة والأطيان المشابهة.. رغم إدراك السواد الأعظم من المتابعين الأسوياء بأن ذلك النهج ماهو إلاّ (خرط في خرط) كون ما بني على باطل فهو باطل.
** ومؤخراً تم استخدام الوجه الآخر من ذات الاسطوانة، والمتمثل بإعلان التخلي مؤقتاً عن جزء من تلك اللغة ولكن بشروط.. مع التهديد الضمني بالعودة متى ما دعت الحاجة التي تمليها وتفرضها ظروف معينة، وذات معايير خاصة ومتوارثة (؟!).
* ومع التسليم بأن الكف عن إيذاء خلق الله فضيلة يعود نفعها على أصحابها.. وأن الرجوع إلى جادة الحق والصواب أفضل من التمادي في الباطل.. إلاّ أن العجب العجاب يكمن في الإصرار على تكريس فرض القناعة بأن ذلك الإجراء يتجاوز كونه خطوة تصحيحية فرضتها المتغيرات والظروف.. وإصلاح ما أفسدته ممارسات سابقة.. إلى كونه مكرمة و (منة) تطوقان عنق الوسط الرياضي (؟!!).
** مع أن المسألة برمتها لا تستدعي كل هذا هذا التمجيد المبالغ فيه بقدر ما تستدعي ضرورة ايضاح حقيقة أنه متى ما تم إخضاع أي إجراء من هذا القبيل لسطوة الدعاية، فإنه بذلك يكون قد أُفرغ من محتواه، وتحول إلى مادة دعائية سمجة كما حدث.
للإحاطة
أنا لا أرمي من وراء تكرار مطالبتي بإيقاف ظاهرة اصطحاب التماثيل المجسمة إلى المدرجات بكافة أشكالها الإضرار بأحد.. ولا الانتقاص من قدر وقيمة أي طرف بقدر حرصي (ويشهد الله) على حماية من افتتنوا بحمل تلك (المسوخ) مستقبلاً من شرور تطورات وإفرازات التعلق بأهدابها واقتنائها.. وما قد تجر إليه من منزلقات ذات علاقات مباشرة بأعز ما نفاخر ونباهي به الأُمم.. ألا وهو الدين والمعتقد.. هذا ما قصدته، والله من وراء القصد.
حكمة بليغة
لا تحقرن صغيرة
إن الجبال من الحصى |
|