لم يكن ببالي الموضوع الذي سأكتب عنه مقالي حينما عزمت على الكتابة، ولكنني حاولت أن أجمع تصورا لبعض المشاهدات ممن هم حولي.. تصرفات تثير الاستغراب فأردت أن أوضحها وأوضح شواهد هذه التصرفات. ففي القريب زارني أحد الزملاء، والذي لم أره منذ زمن، فلقد انقطعنا عن بعض؛ إذ أنه تزوج من ابنة قريب له ليست من بلدته، فرحبتُ به وضيفته، وبعد العشاء تحدث كل واحد منا للآخر عما استجد عليه من أحوال. فبدأ يشكو لي حالته مع زوجته التي لم يمضِ على زواجهما سوى بضع سنين، فلقد اطلعني على ما كتبت له زوجته من مقالات مطولة تشكي وتوضح لزوجها حالتها وما وصلت إليه علاقتهما. فبغض النظر عن سوء المعاملة التي لقيتها هذه الزوجة من أهلها، مع العلم أنها عاشت وتربت في كنف والديها اللذين استضعفاها وصارا يلقيان عليها كلمات الإهانة والاستحقار.. ففي هذه الحالة ينتابني شعور من الاستغراب لأم حانية حملت وأرضعت حولين كاملين، وعانت وشقت تتعامل مع ابتها بهذه الطريقة؟! أو لأب مرب صار هو المثل الأعلى لكثير من المربين التربويين مع وضاعة ما يحمله من شهادات ودوريات تربوية، ولكنه عظيم بما يحمله من خبرة في مجال التربية والتعليم.. أفلا يستغرب من رجل بهذه الدراية والمعرفة يعامل فلذة كبده بهذه الطريقة؟!.. فهذه الفتاة، ومن شاطرتها الحال من بناتنا وهن كُثُر وللأسف، صارت رهينة بيد هؤلاء الأزواج الجبابرة.. عذرا، فاسمحوا لي أن أستخدم كلمة جبابرة مع العلم أننا حين ننطق كلمة جبابرة فإنها تعود بنا إلى العهد الفرعوني.. فلقد استخدمت لذلك الطاغية الذي استغل جهل قومه ونفوذه عليهم، فسيطر سيطرة ظالمة فيها إجهاض لحقوقهم.. كما يفعله بعض الأزواج لزوجاتهم، فهم يستغلون رصيد العلاقة التي حظوا بها من أولياء زوجاتهم، مما يدفعهم لأن يتمادوا بهذا الأسلوب الانتهازي فيضيقوا الخناق على تلك الزوجة المسكينة، فلا تستطيع البوح بتصرفات وأعمال زوجها المشينة لأحد.. خصوصا إذا كان والدها قد تزوج بعد وفاة والدتها من امرأة أخرى أشد ظلما من ذلك الزوج، فبذلك قد يخيل لامرأة الوالد هي ومن حولها أنها قد ترجع عنفوان الشباب لذلك الجد بعد أن فقد آخر شعراته السود، ولكن ما يحصل هو العكس؟! فليس من المنطق أن ترى كهلا تجاوز السبعين من عمره قد لبس من الأثواب ما تخصر وسطه وتلامع لونه ومن الأحذية ما استطالت أكعابها ومن الأشمغة ما ابيض بعد حمار.. مما يلبسه عامة شبابنا هذه الأيام.. ترى وكأن الشماغ صار منشفة خاصة شبيهة بتلك التي يضعها أبطال السباحة فوق رءوسهم عندما يفرغون من سباق متعب.. فلم توقره ولم تضفِ على شخصيته أدنى مراتب التقدير الاحترام..؟؟ بعد أن جعلته يسابق الزمن باللحاق بصيحات الموضة عند استبدال أجهزة الهواتف النقالة أو عند شراء الكماليات الخاصة.. فماذا تركت أيها الكهل المتشبب لهذا الشاب المراهق..! بعد أن ضيعت بناتك وأولادك وسارعت لتنفيذ ما تلقنه إياك تلك الطاغية؟! دعوني أسميها طاغية؛ لأنها لو كانت عاقلة لما جعلته يهيم في هذه الهائمة، ويدور في تلك الدوامة وأنسته ذريته ومن هم في ذمته، بل لو كانت حكيمة في رأيها لكانت الساعد اليمنى لزوجها لينسيهم فراق أمهم التي كانت ومازالت تلاحق أذهانهم في كل صغيرة وكبيرة.
وإن مثل حال تلك الزوجة التي استغل زوجها ابتعاد والدها عنها وعن باقي أخواتها وانشغال أهلها عنها أيضا لهو دليل على قصر وعي هذا الزوج بمكنون الحياة الزوجية وأهم أهدافها المستوحاة من الشريعة الإسلامية وفق السنة المحمدية.. تلك الشريعة التي لم تدع صغيرة ولا كبيرة إلا وعلمنا إياها صفوة الخلق أجمعين.
فبهذا العمل أستغرب من هذا الزوج، كيف يمتهن ويسيء معاملة زوجته أمام مرأى ومسمع من أبنائه، وقد تتطور بهم الأزمة لتصل إلى وسائل الإعلام المرئية والمسموعة؟. فكيف تُنقص أيها الزوج حق زوجتك بعد أن وهبها الله كامل حقوقها؟ فأين العدل مع لين الجانب والتسامح بحدود المشروع؟.
وأنتِ أيتها الزوجة، صار لزاما عليك أن تهتمي بشؤون زوجك أولا بغض النظر عن أي اهتمامات أخرى قد تأتي لاحقاً.
وعلى النقيض من هذه التصرفات كلها نرى الوجه الآخر لهذه الأساليب الملتوية.. فنبصر الصورة المثالية للحياة الزوجية الإسلامية.. أزواجاً عاملوا زوجاتهم كما أمرهم الله سبحانه وتعالى دون إفراط ولا تفريط.. أزواجاً حفظوا حقوق الله أولا ثم حفظ كل واحد منهم حقوق الآخر، فتراهم يضعون سنة محمد صلى الله عليه وسلم وطرق تعامله مع زوجاته أمهات المسلمين رضي الله عنهن جميعا نصب أعينهم.. فعلى نهجه يتعاملون فيما بينهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل إنهم اقتبسوا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم، فنون التعامل مع الأزواج. فهذا هو المرجو من الكل، وهذا هو ما نسمو إليه جميعا.. فلهم منا جزيل الشكر نظير هذه المعاملة، وندعو الله أن يجزيهم عنا خير الجزاء؛ إذ أنهم أنزلوا المرأة منزلتها التي أنزلها الله سبحانه، تاركين وراءهم تداعيات أئمة الغرب لتحرير المرأة المسلمة المتحررة أصلا.
وختاما، لكم أقول: حينما صغت بأسلوبي هذه المشاهدات، فلست روائيا مفوها كشكسبير أنسج لكم روايات خيالية كرواياته، أو كقاص توهمي يقص لكم قصصا كقصص ألف ليلة وليلة.. وإنما أسطر لكم أحاسيس القلب لواقع شهادته، وقد يعيشه الكثيرون من حولي لأزواج وزوجات يفتقرون لمعنى الحياة الزوجية الإسلامية وطرق تعامل الزوج مع زوجته والزوجة مع زوجها، كما أنهم قد يفتقرون أيضا لأساليب التربية سواء كانت تربية الأبناء أم تربية وتهذيب الأوزاج بعضهم لبعض، ليلتحقوا بمن سبقهم فيؤسسوا لنا مدرسة نقتبس منها العلوم وتخرج لنا أجيالا صالحين يكونون بإذن الله لبنة صالحة من لبنات الخير والعطاء، فيخدمون دينهم أولا ثم مليكهم ووطنهم.
|